طليطلة في بعض قواته، وترك بقية جيشه الكثيف مستتراً بالتلال التي تظلل وادي سليط، وهو الوادي الذي يخترقه النهر المسمى بهذا الإسم Guazalete، وهو أحد أفرع التاجُه الجنوبية، فلما رأى أهل طليطلة قلة الجيش المحاصر، خرجوا لقتاله ومعهم حلفاؤهم النصارى وهم على ثقة من الظفر، فارتد محمد بجنوده نحو وادي سليط متظاهراً بالهزيمة، وعندئذ برزت قوات الأندلس من مكامنها، وأطبقت على الثوار وحلفائهم النصارى، وكانت موقعة هائلة مزقت فيها جموع الطليطليين والإسبان في ساعات قلائل من الصباح إلى الضحى، وقتل منهم مقتلة عظيمة تقدرها الرواية الإسلامية بأحد عشر ألفاً، وقيل بل عشرين ألفاً، وأسر منهم كذلك عدد جم، بينهم كثير من القساوسة وقد أعدموا على الفور، ورصت رؤوس القتلى، وأذن فوقها لصلاة الظهر. وكان نصراً عظيماً. وفي هذه الموقعة يقول شاعر العصر عباس بن فرناس:
ومؤتلف الأصوات مختلف الزحف ... لهوم الفلا عبل القبائل ملتف
إذا أومضت فيه الصوارم خلتها ... بروقاً تراءى في الغمام وتستخفى
كأن ذرى الأعلام في ميلانها ... قراقير في يم عجزن عن القذف
بكى جبلا وادي سليط فأعولا ... على النفر العبدان والعصبة الغلف
يقول ابن يوليس لموسى وقد ونى ... أرى الموت قدامي وتحتي ومن خلفي
قتلنا لهم ألفاً وألفاً ومثلها ... وألفاً وألفاً بعد ألف إلى ألف
سوى من طواه النهر في مستلجِّه ... فأغرق فيه أو تهدهد من جرف
لقد نعمت فيه غزاة نسورنا ... وسمعت الدقات قصفاً على قصف (١)
على أن الفتنة في طليطلة لم تهدأ ولم تخمد، فقد استمر تحريض النصارى المتعصبين فيها على أشده، وأضحت المدينة الثائرة موئلا لطائفة من القسس المتعصبين مثل أولوخيو وصحبه، يبثون دعايتهم المضطرمة في طليطلة وما جاورها من الأنحاء، ويصورون مصير النصارى في ظل الحكم الإسلامي بأشنع الصور، ويدعون إلى التحرر من الاضطهاد الديني والاجتماعي، وكان صدى هذه
(١) ينقل لنا ابن حيان عن موسى الرازي تفاصيل هذه الموقعة - مخطوط القرويين لوحة ٢٦٠ أوب و٢٦١ أ. وراجع البيان المغرب ج ٢ ص ٩٧ و١١٤. وكذلك: Dozy.Histoire, V.I.p. ٣٥٥