عن حروف النصارى تدريباً وتقريباً، فإذا سميت له حرفاً أعجمياً كتب لى حرفاً عربياً، فيقول حينئذ هكذا حروفنا، حتى استوفى لى جميع حروف الهجاء فى كرتين؛ فلما فرغ من الكرة الأولى، أوصانى أن أكتم ذلك حتى عن والدتى وعمى وأخى، وجميع قرابتنا، وأمرنى أن لا أخبر أحداً من الخلق. وشدد على الوصية، وصار يرسل والدتى التى تسئلنى ما الذى يعلمك والدك فأقول لها لا شىء.
وكذا كان يفعل عمى وأنا أنكر أشد الإنكار. ثم أروح إلى مكتب النصارى وآتى إلى الدار فيعلمنى والدى إلى أن مضت مدة.
"وقد كان والدى رحمه الله، يلقننى حينئذ ما كنت أقوله حين رؤيتى للأصنام ... فلما تحقق والدى أنى أكتم أمور دين الإسلام عن الأقارب فضلا عن الأجانب، أمرنى أن أتكلم بإفشائه لوالدتى وعمى، وبعض أصحابه الأصدقاء فقط، وكانوا يأتون إلى بيتنا فيتحدثون فى أمر الدين، وأنا أسمع. فلما رأى حزمى مع صغر سنى، فرح كثيراً غاية، وعرفنى بأصدقائه وأحبائه وإخوانه فى دين الإسلام، فاجتمعت بهم واحدا واحدا، وسافرت الأسفار لأجتمع بالمسلمين الأخيار، من جيان، مدينة ابن مالك، إلى غرناطة، وإلى قرطبة وإشبيلية، وطليطلة، وغيرها من مدن الجزيرة الخضراء، أعادها الله تعالى للإسلام، فتلخص لى من معرفتهم أنى ميزت سبعة رجال كانوا كلهم يحدثونى بأمور غرناطة وما كان بها فى الإسلام حينئذ، فباجتماعى بهم حصل لى خير كثير، وقد قرأوا كلهم على شيخ من مشايخ غرناطة، أعادها الله للإسلام، يقال له الفقيه اللوطورى رحمه الله تعالى ونفعنا به، فإنه كان رجلا صالحاً، ولياً لله، فاضلا زاهداً، ورعاً، عارفاً سالكاً، ذا مناقب ظاهرة مشهورة، وكرامات طاهرة مأثورة، قد قرأ القرآن الكريم فى مكتب الإسلام بغرناطة، قبل استيلاء أعداء الدين عليها، وهو ابن ثمانية أعوام وقرأ الفقه وغيره على مشايخ أجلا حسب الإمكان. ثم بعد مدة يسيرة، انتزعت غرناطة من أيدى المسلمين أجدادنا، وقد أذن العدو فى ركوب البحر والخروج منها لمن أراده، وبيع ما عنده، وإتيانه لهذه الديار الإسلامية وذلك فى مدة ثلاثة أعوام، ومن أراد أن يقيم على دينه وماله فليفعل، بعد شروط اشترطوها، وإلزامات كتبها عدو الدين على أهل الإسلام. فلما تحركوا لذلك أجدادنا، وعزموا على ترك ديارهم وأموالهم، ومفارقة أوطانهم للخروج من بينهم، وجاز إلى هذه الديار التونسية، والحضرة الخضراء بغتة من جاز إليها حينئذ، ودخلوا فى زقاق