الأندلس المعروف الآن بهذا الاسم، وذلك سنة اثنين وتسعمائة، وكذا للجزائر وتطاون وفاس ومراكش وغيرها، ورأى العدو العزم فيهم لذلك، نقض العهد، فردهم رغم أنوفهم من سواحل البحر إلى ديارهم، ومنعهم قهراً عن الخروج واللحوق بإخوانهم، وقرابتهم بديار الإسلام، وقد كان العدو يظهر شيئاً، ويفعل بهم شيئاً آخر، مع أن المسلمين أجدادنا استنجدوا مراراً ملوك الإسلام، كملك فاس ومصر حينئذ، فلم يقع من أحدهما إلا بعض مراسلات، ليقضى الله أمراً كان مفعولا.
"ثم بقى العدو يحتال بالكفر عليهم غصباً، فابتدأ يزيل لهم اللباس الإسلامى، والجماعات، والحمامات، والمعاملات الإسلامية، شيئاً فشيئاً، مع شدة امتناعهم والقيام عليه مرار، وقتالهم إياه، إلى أن قضى الله سبحانه ما قد سبق من علمه، فبقينا بين أظهرهم، وعدو الدين يحرق بالنار من لاحت عليه إمارة الإسلام، ويعذبه بأنواع العذاب، فكم أحرقوا، وكم عذبوا، وكم نفوا من بلادهم، وضيعوا من مسلم، فإنا لله وإنا إليه راجعون، حتى جاء النصر والفرج من عند الله سبحانه، وحرك القلوب للهروب، وكان ذلك سنة ثلاثة عشرة وألف، فخرج منا بعض للمغرب، وبعض للمشرق خفية، مظهراً دين الكفار أبعدهم الله، فخرج بعض أحبارنا وإخواننا وهو الفقيه الأجل محمد أبو العباس أحمد الحنفى، المعروف بعبد العزيز القرشى، ومعه أحد أخواله، إلى مدينة بلغراد من عمالة القسطنطينية، فالتقيا بالوزير مراد باشا وزير السلطان المعظم المرحوم السلطان أحمد بن السلطان محمد نجل آل عثمان نصرهم الله تعالى وأيدهم، فأخبراه بما حل بإخواننا بالأندلس من الشدة بفرانسة وغيرها، فكتب أمراً لصاحب فرانسة دمرها الله، بإعلام السلطان نصره الله، يأمره بأن يخرج من كان عنده من المسلمين بالأندلس وخدام آل عثمان، ويوجههم إليه فى سفن من عنده مع ما يحتاجون إليه. فلما قرىء الأمر السلطانى فى ديوان الفرنسيس، فسمعه من كان عنده مرسلا من قبل صاحب الجزيرة الخضراء، وهو اللعين فيليبو الثالث، فأرسل لسيده، يخبره بالواقع، وأن السلطان أحمد آل عثمان، أرسل أمره إلى فرانسة، وأمر صاحبها أن يخرج من كان عنده من الأندلس، فقبل كلامه، وأمر بإخراج المسلمين، وأذن لمن جاء من الأندلس بأن لا بأس عليهم، وأن يركبوا عنده فى سواحله مراكبه، ويبلغهم إلى حيث شاءوا من بلاد المسلمين. فلما أحس بهذا الأمر عدو الله فيليبو صاحب إسبانية، دخله الرعب والخوف الشديد، وأمر حينئذ فجمع أكابر