المضطربة، أن يركنوا إلى ولاء رعاياهم المسلمين أثناء الحرب، وأن يفيدوا من نشاطهم أثناء السلم، فإن الضرورة السياسية للوحدة الدينية، بعد أن غدت اسبانيا دولة قوية موحدة، وغدا المسلمون طوائف ممزقة، لم تكن بلا ريب سوى ضرب من الخيال المغرق الذى يخلقه التعصب. وقد كان هذا التعصب، نتيجة لتعاليم الكنيسة المستمرة، وهى التعاليم التى اعتنقتها اسبانيا مذ غدت قوة عالمية. وما أن انحدرت اسبانيا إلى طريق التعصب، حتى دفعه توقد المزاج الإسبانى إلى نهايته المحتومة باكتمال لا نظير له. ولما قضت غطرسة الكردينال خمنيس العنيفة، على ثقة المسلمين فى عدالة اسبانيا وشرفها، اتخذت الخطوة المحتومة فى طريق لم تكن له سوى نهاية واحدة ... ولقد كان الموريسكيون بالضرورة أعداء فى الداخل، حملوا بكل وسيلة على بغض دين فرض عليهم بالقوة، وتبلورت مثله فى الظلم والاضطهاد وفظائع ديوان التحقيق، وكان من المستحيل فى ظل المؤثرات الدينية، التى غلبت على السياسة الإسبانية، أن يعامل الموريسكيون بالرفق والتسامح، وبهما فقط يمكن العمل على إرضائهم، وتحقيق رخائهم، وبث محبة النصرانية فى قلوبهم. وقد كانت كل محاولة لتلطيف الموقف، تزيده سوءاً حتى غدوا إغراء دائماً لاتصال كل عدو من الخارج، ومثاراً دائماً لجزع السياسة الإسبانية. فلما اضمحلت قوة اسبانيا، وفقد حكامها الثقة بالنفس، لم يكن ثمة بد من أن يتوج قرن من الغدر والظلم، بالنفى والإبعاد. وقلما يقدم لنا التاريخ مثلا، كوفئت فيه السيئة وأمثالها، وطمت كوارثه، كذلك الذى ترتب على جهود الكردينال خمنيس بما يطبعها من تعصب مضطرم".
ثم يقول: "على أنه مهما كان من فداحة الضربة، فقد كان الميسور تداركها بسرعة لو أن اسبانيا كانت تملك الحيوية القوية، التى مكنت أمماً أخرى من أن تنهض من كوارث أشد. إن انحلال اسبانيا لا يرجع فقط إلى خسارتها لجزء من السكان، بنفى اليهود والعرب المتنصرين، فقد كان من المستطاع أن تعوض هذه الخسارة؛ ولكن الخطب يرجع إلى أن اليهود والعرب المتنصرين كانوا من الناحية الإقتصادية أقيم عنصر بين سكانها، وكان نشاطهم معيناً لحياة الآخرين، وبينما كانت أمم أوربا الأخرى تنهض وتسير إلى الأمام فى مضمار التقدم، كانت اسبانيا، وشعارها أن تضحى كل شىء فى سبيل الوحدة الدينية، تنحدر سراعاً إلى غمر البؤس والشقاء، وتغدو جنة للأحبار والقساوسة، وعمال ديوان التحقيق، تخمد