للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

القول ينسون أنه لم يكن فى إشبيلية أحد من الموريسكيين، وأن هذه المصانع كانت قد تركت قبل النفى بخمسين عاماً، كأنما آثر أجدادنا أن يحققوا الثراء بالحرب فى إيطاليا وبلاد الفلاندر، وبغزو أمريكا، وكأنهم كانوا ينظرون باحتقار سخيف مؤسف للفنون والأعمال الصناعية. إن اكتشاف العالم الجديد، والثروات التى كانت تتدفق من هنالك، فتثير الجشع، وتذكى أطماعاً يسهل تحقيقها: ذلك هو السبب الحقيقى الذى أسكت مناسجنا وأمحل زراعتنا، وجعل منا أول طائفة من المغامرين المحظوظين، ثم بعد ذلك شعباً من الأشراف المتسولين، وإنه لمن المضحك أن ننسب إلى سبب واحد، ربما كان أقل الأسباب، ما كان نتيجة لأخطاء اقتصادية يعسر علينا أن نتبين علاقتها بالتعصب الدينى.

والخلاصة أنه متى تدبرنا المزايا والمضار، فإننا ننظر إلى إجراء النفى العظيم، بنفس الحماسة التى امتدحه بها لوبى دى فيجا وثرفانتس، وكل اسبانيا فى القرن السابع عشر، باعتباره ظفراً لوحدة الجنس ووحدة الدين واللغة، والتقاليد.

أما الأضرار المادية فقد شفاها الزمن، وقد استحال ما كان صحراء بلقع قاتمة، إلى مهاد خصبة وحدائق غناء. وأما الذى لا يشفى، وأما الذى يترك دائماً الأحقاد الدموية الأبدية، فهى جرائم تشبه جرائم الوندال. ولما هدأت آثار النفى، أضحى النفى ليس فقط إجراء محموداً، بل كذلك إجراء ضرورياً. لم يكن ميسوراً أن تحل العقدة، فكان لابد من قطعها، ومثل هذه النتائج تقترن دائماً بالانقلابات المفروضة" (١).

ويعلق العلامة الدكتور لى، وهو من أحدث الباحثين فى هذا الموضوع على آراء المفكرين والمؤرخين الإسبان بقوله: "إذا كان نفى الموريسكيين كما يقول مننديث إى بلايو، نتيجة محتومة لقانون تاريخى، وإذا كان قد غدا ضرورة فى عهد فيليب الثالث، فقد كانت ضرورة مصطنعة، خلقها تعصب القرن السادس عشر، وإذا كان وجود المدجنين، منذ أيام ملوك ليون وقشتالة وأراجون فى الأراضى الإسبانية، من الأمور المأمونة، وذلك فى الوقت الذى كان فيه زعماء اسبانيا النصرانية يشغلون بحروب أهلية مضطرمة، ويواجهون دول العرب والمرابطين والموحدين القوية، وإذا كان فى وسع الملوك النصارى فى هذه العصور


(١) M. Menendez y Pelayo: Historia de los Heterodoxes Espanoles
p. ٣٣٩ - ٣٤٣

<<  <  ج: ص:  >  >>