والحروب الخارجية فى مائة مكان معاً، وعدد الجند النظاميين الضخم، وهى أسباب نوه بها كلها بإيجاز اقتصاديونا القدامى، ومنهم من لم يتردد كالحبر فرناندث ناباريتى فى نقد نفى الموريسكيين بعد وقوعه بأعوام قليلة. وما كانت يل وليست الأجزاء المقفرة من السكان فى اسبانيا، هى التى تركها العرب، كما أنها ليست أسوأها زراعة، وهو ما يدل على أن الخسارة التى لحقت بالزراعة، من جراء نفى كبار الزراع المسلمين، لم تكن عميقة أو باقية الأثر، كما قد يتبادر إلى الذهن، لو أننا وقفنا فقط عند عويل أولئك الذين تأملوا الحقول المجدبة غداة تنفيذ أوامر النفى. ونحن أبعد من أن نعتقد مع الشاعر الساذج الشيوعى نوعاً جسبار دى أجيلار، أنه لم يخسر بالنفى سوى السادة الذين فقدوا أتباعهم المسلمين، وأن الكثرة من الناس قد غنمت، وغدا:
الأغنياء فقراء، والفقراء أغنياء
والصغار كباراً، والكبار صغاراً
ذلك أن مثل هذه النظريات، وإن أملاها الإخلاص والحماسة الشعبية، اللذان يضطرم بهما الشاعر، ليست إلا من أسخف وأضل ضروب الاقتصاد السياسى. ذنك أن مملكة بلنسية كلها كان لزاماً أن تخسر، وقد خسرت برحيل مثل هذا العدد الجم من عمال مهرة هادئين مثابرين، وقد كانوا حسبما يصفهم السكرتير فرنسيسكو إدياكيث "يكفون وحدهم لإحداث الخصب والرخاء فى سائر الأرض، لبراعتهم فى الزراعة، وقناعتهم فى الطعام". هذا بينما يصف هذا السكرتير النصارى القدماء بقوله "إنهم قليلو الخبرة فى الزراعة". على أنه من المحقق أنهم تعلموا، وأن بلنسية قد عمرت فيما بعد، وأن سائر الطرق الزراعية ونظم الرى البديعة، التى ربما كان من الخطأ أن تنسب إلى العرب وحدهم، قد أحييت فى هذه المناطق حتى أيامنا.
وإذا كان تدهور الزراعة مما لا ينكر، ولعله مبالغ فيه، فإن تأثر الصناعة كان أقل. ذلك لأن الصناعة كانت قبل ذلك بنصف قرن قد أصيبت باضمحلال واضح، وكذلك لأن الصناعات الرئيسية، إذا استثنينا الورق والحرير، لم تكن فى أيدى الموريسكيين، وقد كانوا دائماً عمالا أكثر منهم صناعاً. فإذا قيل مثلا إن المناسج التى بلغ عددها من قبل فى إشبيلية ستة عشر ألفاً، لم يبق منها فى عهد فيليب الخامس سوى ثلاثمائة، ونسب ذلك كله إلى واقعة النفى، فإن أصحاب هذا