ويرى العلامة مننديث إى بلايو، وهو من أعظم المفكرين، والنقدة الإسبان المحدثين، أن نفى الموريسكيين كان نتيجة محتومة لسير التاريخ، ويشرح رأيه فى كتابه عن "الخوارج الإسبان" على النحو الآتى:
"ولنقل الآن رأينا فى مسألة النفى بكل وضوح وإخلاص، وذلك بالرغم من أنه يستطيع أن يتكهن به من تتبع القصة السابقة، بروية وبلا تحيز، ولن أتردد فى الجهر به، وإن كان من المؤسف أن يكون ثمة ما أخر إبداءه. فهل كان من الممكن أن يقوم الدين الإسلامى بيننا فى القرن السادس عشر؟ من الواضح أن لا، بل ولا يمكن أن يكون ذلك الآن فى أى جزء من أوربا. فكيف يستسيغ وجوده فى تركيا أولئك الإنسانيون الأجانب الذين يصفوننا بالبربرية لأننا قمنا بإجراء النفى؟ وإنهم لأسوأ مائة مرة من المسلمين الخلص، مهما كان دينهم عائق لكل تمدن، أولئك النصارى المنافقون، والمرتدون والمارقون، الذين لم يحسن إخضاعهم وأولئك الإسبان الأوغاد، الأعداء الداخليون، خميرة كل غزو أجنبى، الجنس الذى لا يقبل الاندماج، كما أثبتت ذلك التجارب المحزنة مدى قرن ونصف. فهل يعتبر ذلك تبريراً لأولئك الذين مزقوا عهود غرناطة، أو لأولئك الثوار الذين أضرموا الهياج فى بلنسية ونصروا الموريسكيين بصورة منافية للدين؟ كلا على الإطلاق.
بيد أنه وقد سارت الأمور منذ البداية على هذا النحو، فإنه لم يكن من الممكن أن تكون ثمة نتيجة أخرى، فقد كانت الأحقاد والشكوك المتبادلة، تضطرم باستمرار بين النصارى القدامى والمحدثين، وقد لطخت بقاع البشرات بالدماء غير مرة، وفقد الأمل فى تحقيق التنصير بالوسائل السلمية، وذلك بالرغم من تسامح ديوان التحقيق، والغيرة الطيبة التى أبداها رجال مثل تلافيرا، وفيلانيفا، وربيرا، وإذاً فلم يك ثمة محيص من النفى. وأكرر أن فيليب الثانى قد أخطأ فى كونه لم ينفذه فى الوقت المناسب. وإنه لمن الحق أن نعتقد أن الصراع من أجل البقاء والمعارك، والمذابح بين الأجناس، تنتهى بصورة أخرى غير النفى أو الفناء. ذلك أن الجنس الأدنى ينهار دائماً، ويفوز بالنصر مبدأ القومية الأقوى.
وأما إن النفى كان حدثاً مقوضاً، فهذا ما لا ننكره، فإنه من المقرر أنه فى العالم يمتزج الخير والشر دائماً. وخسارة مليون بأسره من الناس، لم تكن هى السبب الأساسى فى إقفار بلادنا من السكان، وإن كان لها أثر فى ذلك. وبعد فإن ذلك يجب ألا يعد إلا كإحدى قطرات الماء فى جانب نفى اليهود، واستعمار أمريكا،