للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

من إخضاع هذه الطائفة المتمردة، التى عاشت فى اسبانيا فى أوقات، كانت فيها الأحقاد فى أوج اضطرامها بين الغالبين والمغلوبين.

"ولقد أثار الإسراف فى فرض الضرائب وبخس الأعمال، والاضطهاد الدينى، ومساوىء ديوان التحقيق، هذه الأرواح التى قابلت حكومة ضعيفة التدبير، حتى أنه أضحى من المحتوم أن يتخذ هذا الإجراء الشاذ المتطرف.

"إن المؤرخين والساسة الذين دافعوا عن نفى الموريسكيين، بعضهم للدفاع عن أخطاء هذه المدرسة، وبعضهم لكى يشيد بالعمل الرائع، إنما يدافعون عن أمور سيئة، أو يرغبون فى أن يضعوا السياسة والسلطة فوق رأس الأمة، وهم فى تبرير مثل هذا الإجراء، لم يراعوا إلا ضرورة الساعة. وإذا فرضنا جدلا ضرورته السياسية باسم السلام والسكينة العامة، وهى التى اتخذت لتبرير كثير من الأخطاء، بل وكثير من الجرائم، فإننا لا نستطيع أن ننسى أن هذا الموقف المحزن، قد خلقته أخطاء السلطة التى واجهت تلك المشكلة القاسية، ورأت أن تقصى الموريسكيين عن اسبانيا، لأنها شعرت أنها عاجزة عن إخماد ثوراتهم المستمرة.

إن فَقْدَ هذه السواعد فى الأعمال الزراعية، وفى كثير من الفنون والأعمال، والازدراء الذى كان الإسبان يضمرونه لهذه الطائفة ولنشاطها، والسرعة التى وقعت بها هذه الخسارة، وعدم تحوط الحكومة، التى لم تحاول بأية وسيلة أن تعوض عن نشاطها، وزيادة الضرائب وغيرها من المغارم، التى أضحى عبؤها يقع فقط على عاتق الشعب الإسبانى، لكى يعوض ذلك ما خسرته الدولة مما كان يؤديه الموريكسيون: هذه ربما كانت الأسباب السريعة للبؤس العام.

ولقد قام بعض المؤرخين ببحوث مدهشة لتقدير عدد المنفيين، ونحن لا نجاريهم فى ذلك، إذ يبدو لنا العدد أمراً لا أهمية له. وسواء أكان المنفيون كثرة أو قلة، فقد كانوا هم الوحيدون الذين يعملون، وقد أحدث خروجهم من المملكة اضطراباً خطيراً.

بمثل هذه العوامل، وصل البؤس الداخلى فى المملكة إلى حد لا يمكن تصوره، ولا تمكن مقارنته، هذا بينما كان البلاط يغرق فى الحفلات الشائقة، وينسب لفيليب الثالث ما كان يمكن صدوره من فيليب الثانى أو كارلوس الخامس" (١).


(١) D. Felipe Picatosti: Estudios sobre la Grandeza y Decadencia de
Espana. (Madrid ١٨٨٧) . p. ١٠١ & ١٠٢

<<  <  ج: ص:  >  >>