للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فى كل مكان، وحل مكان المرح الصاخب للقرى العامرة، الصمت الموحش فى الأمكنة المهجورة، وبدلا من أن ترى أمامك العمال والصناع، فإنك تغامر بأن تقابل قطاع الطرق يملؤونها ويجثمون فى أطلال القرى المهجورة. ولئن كان ثمة فريق من السادة الملاك الذين أفادوا من تراث المنفيين، فقد كان ثمة عدد أكبر بكثير ممن خسروا، وانتهى بعضهم إلى الموقف المؤلم، بأن يلتمسوا من الحكومة نفقة لإطعامهم، ولم يك بينهم أحد قط ممن غنم كما غنم الدوق دى ليرما وأسرته، وقد استولوا على جزء من أثمان بيع منازل الموريسكيين، وبلغ نحو خمسة ملايين ونصف ريال.

"وإذاً فقد كان نفى الموريسكيين من الناحية الإقتصادية، يعتبر بالنسبة إلى اسبانيا، أفدح إجراء مخرب يمكن تصوره. وإنه ليمكن أن نتسامح فى المبالغة التى يصفه بها سياسى أجنبى هو الكردينال ريشليو، حيث يصفه بأنه " أعرق إجراء فى الجرأة والبربرية مما عرفه التاريخ فى أى عصر سابق". والحق أن الصدع الذى منيت به ثروة اسبانيا العامة من جرائه، كان من الفداحة بحيث أنه ليس من المبالغة أن نقول إنه لم يبرأ حتى يومنا" (١). بيد أن خانير مع ذلك يقول إن النفى كان ضرورة دينية وسياسية، وإن الوحدة الدينية، تغدو اليوم أسطع جوهرة للأمة الإسبانية.

ويعلق المؤرخ الإجتماعى وبكاتوستى، فى الفصل الذى عقده عن "بؤس اسبانيا العام" فى كتابه عن "عظمة اسبانيا وانحلالها" على نفى الموريسكيين بما يأتى: "كان نفى الموريسكيين من أفدح المصائب التى نزلت باسبانيا. أجل لقد وجد أيام الملكين الكاثوليكيين بعض المتعصبين الذين كانوا يقترحون هذا النفى ويعملون له. ولكنهم وجدوا عقبة كأداء فى معارضة الملكة إيسابيلا. وفى سنة ١٥٢٩، بذل أسقف إشبيلية، جهوداً مضاعفة فى هذا السبيل، وكذا طوال حكم فيليب الثانى، كان هذا الموضوع يثار من وقت إلى آخر. ولكن أمكن فقط فى عصر فيليب الثالث المحزن، أن يرتكب هذا الخطأ الفادح.

"والمسئولية الكبرى التى تقع على عاتق هذا الملك، وعلى نصحائه وأسلافه، تتلخص فى أنهم لم يحموا مصالح الموريسكيين المادية، فيمهدوا لتلك الطائفة العاملة، سبل الحياة المستقرة الهادئة؛ ولم يكن لهم من القوة أو الكياسة أو الحزم ما يمكنهم


(١) D. Florecio Janer: Condicion Social de los Moriscos de Espana
(Madrid ١٨٧٥) p. ١٠٠ & ١٠١

<<  <  ج: ص:  >  >>