"ومع ذلك، فإنه لمصلحة الدين، والسلام الداخلى، وسلامة الدولة، قد وقع الإغضاء عن المزايا التى كان يسبغها الموريكسيون على الصناعة والتجارة والزراعة، بل وعلى ثروة الأمة الإسبانية كلها، وذلك حينما أخرج بواسطة مراسيم فيليب الثالث، آلاف من الصناع الموريسكيين، يحملون معهم بذور الحضارة والحرث. وقد قال كامبومانس الشهير: "إن بدء تدهور صناعاتنا يرجع إلى سنة ١٦٠٩، حينما بدئ بنفى الموريسكيين. فمن ذلك الحين، تبدأ مع خراب المصانع صيحات الأمة المتوالية؛ وعبثاً يحاول ساستنا أن ينسبوا بؤس القرن السابع عشر، إلى أسباب أخرى، فهى وإن كانت جزئية، لا يمكن أن تضارع ضربة بهذه المفاجأة، وهى ضربة لم تستطع الأمة حتى اليوم أن تنهض من عثارها".
ولقد أحدثت مزاولة العرب للمهن الفنية فى الإسبان أثرين سيئين، الأول أنهم اعتبروا هذه المهن من الأمور الشائنة، والثانى أنهم لم يتعلموا شيئاً منها حتى لا يتشبهوا بأولئك الذين يزاولونها. وهم قد بدأوا بالزراعة وزراعة السكرو القطن والحبوب، التى كان للموريسكيين فى إنتاجها التفوق الجم، وذلك لنظامهم المدهش فى الرى بواسطة السواقى والقنوات، وتوزيع المياه بواسطة هذه الشرايين توزيعاً مناسباً، كان له أثره فى الإنتاج العظيم الذى امتازت به مروج بلنسية وغرناطة الخصبة، ثم تابعوا بنسج الأصواف والحرائر، وصنع الورق والجلود المدبوغة، وهى صناعات برع فيها الموريكسيون أيما براعة، وانتهوا بمزاولة الحرف الميكانيكية وهى حرف كان الإسبان لكسلهم وتكبرهم يحتقرون مزاولتها، ومن ثم فقد كان الموريسكيون يحتكرونها، وقد وقع من جراء ذلك نقص فى الأيدى وفى المهارة كان من المستحيل مَلؤه فى الحال، ثم غدا بعد ذلك مَلؤه مبهظاً بطيئاً صعباً. وقد بلغ النقص فى الأنفس، وفقاً للدراسات التى قمنا بها لنتائج الحادث، على الأقل نحو مليون. ثم يأتى بعد ذلك نقص العملة الذهبية، بسبب الكميات الكبيرة التى حملوها معهم من الدوقيات، وأخيراً يأتى ذيوع النقد الزائف أو ناقص الوزن، وهو الذى ملئوا به المملكة قبل نزوحهم منها، على أن الضرر الفادح الذى لم يعوض لسنين بعيدة، هو بلا ريب ما أصاب الزراعة والصناعة والتجارة.
"ومن ثم ففى وسعنا أن نقول عن بلادنا بحق، إن بلاد العرب السعيدة، قد استحالت إلى بلاد العرب القفراء، وعن بلنسية بوجه خاص، إن حديقة اسبانيا الغناء قد استحالت إلى صحراء جافة مشوهة. وقد حل شبح الجوع بالاختصار