للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

"فأما من الناحية الدينية، فقد كان هذا الإجراء، ثمرة الأفكار التى سادت فى اسبانيا قبل ذلك بقرون، وثمرة البغض التقليدى المتأصل، الذى يكنه الشعب لغالبيه وأعدائه الألداء القدماء. وليس مما يمكن إنكاره، أنه كان مؤيداً لفكرة الوحدة الدينية، التى دأب على العمل لتحقيقها وإكمالها الملوك الإسبان والشعب الإسبانى. بيد أنا لا نعتقد أنه كان من البراعة (ما عدا اعتباره صراعاً مقرراً هو من خصائص العصور الوسطى) أن نصل إلى الوحدة الدينية بطريق إفناء أولئك الذين يعتنقون عقائد أخرى. وقد كانت البراعة أن نعمل على اجتذاب المخالفين المعاندين، بالتعاليم والإقناع، والحزم، والرفق، وتفوق الحضارة.

وأما كونه إجراء سياسياً، قصد به إلى تحقيق سلامة الدولة وسلامها، فقد كان ممكناً أن نبرر اتخاذه لو كانت المؤامرات حقيقية وخطيرة، وكانت الخطط شنيعة، وكانت الوسائل قوية، والخطر داهماً، وذلك كما افترض الوزير المقرب، والأسقف ربيرا والنصحاء الآخرون. أجل لم يك ثمة شك فى أنه كانت هنالك مكاتبات وعلائق ومشاريع معادية لإسبانيا، بين بعض الموريسكيين البلنسيين وببن المغاربة والترك، بل بينهم وبين بعض الفرنسيين. بيد أننا لم نقتنع بأن هذه الخطط كانت من الجسامة والخطر بمثل ما كان يصورها أنصار النفى، ولم نقتنع بأن النصارى المحدثين فى بلنسية كان لهم من القوة ما يمكن أن يثير مخاوف ذات شأن، كما أنه لم يكن ثمة ما يثير المخاوف من جانب الموريسكيين فى أراجون وفى مرسية، مثلما زعمت الوفود التى أتت من هذين الإقليمين، وكذلك لم يكن الموريسكيون فى قشتالة يعرفون التآمر أو يقدرون عليه. وعلى أى حال فإنه متى ذكرنا، أننا بعد مضى أكثر من قرن على قهر الموريسكيين وإخضاعهم لقوانين المملكة، وتفريقهم ومزجهم بالإسبان والنصارى، لم نوفق إلى تأليفهم فى العادات والعقائد، أو أن ندمج بقية الأمة المغلوبة فى الكتلة الكبرى للأمة الغالبة، ولم نوفق إلى جعلهم نصارى واسبانيين، ثم لجأنا بلا ضرورة إلى وسيلة إفناء جيل برمته، متى ذكرنا ذلك فإنا لا نستطيع أن ننظر بعطف إلى مهارة فيليب الثالث والملوك الذين سبقوه، ولا إلى حزمهم أو سياستهم" (١).

ويقول فلورثيو خانير، وهو يحذو حذو لافونتى فى تقديره وتعليله، وينقل بعض أقواله:


(١) Modesto Lafuente: Historia General de Espana (Madrid ١٨٦٢)
T. VIII, p. ٢١١-٢١٤

<<  <  ج: ص:  >  >>