للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كان له أثره فى الإنتاج العظيم الذى امتازت به مروج بلنسية وغرناطة؛ ثم تابعوا بنسج الأصواف والحرائر، وصنع الورق والجلود المدبوكة، وهى صناعات برع الموريسكيون فيها أيما براعة، وانتهوا بمزاولة الحرف الميكانيكية، وهى حرف كان الإسبان لكسلهم وتكبرهم يحتقرونها، ومن ثم فقد احتكرها الموريسكيون واختصوا بها. وقد عانى كل شىء من نقص فى السواعد وفى البراعة، وهو نقص جعلت المفاجأة من المستحيل تداركه، ثم غدا بعد ذلك مَلؤه مبهظاً بطيئاً صعباً.

"ويقول نفس المؤرخ البلنسى الذى شهد النفى، وكتب عقب إتمامه، إنه ترتب على ذلك أن بلنسية، وهى حديقة اسبانيا الغناء، استحالت إلى قفر جاف موحش. وحدث هنالك كما حدث فى قشتالة، وفى باقى البلاد، أن بدا شبح الجوع الداهم؛ وبالرغم من أنه قد جىء بسكان جدد إلى الأماكن التى هجرها الموريسكيون، لكى يتدربوا على العمل فى الحقول والمصانع والمعامل، إلى جانب أولئك القلائل الذين ارتضوا البقاء (وهو اعتراف مخجل بلا ريب). على أن مثل هذا التمرن لم يؤت نتائجه السريعة، والتدرب والدأب ليسا من الفضائل التى ترتجل، ولم يكن من السهل أن يعوض مثل هذا الجنس من البشر، وهو الذى استطاع بعبقريته، ومركزه الخاص فى البلاد، ووفرة براعته، وجلده، أن يحقق ما يشبه قهر الطبيعة، واستغلالها لسائر مبتكراته. وهكذا حل مكان ضجيج القرى، الصمت الموحش فى الأماكن المهجورة، وبدلا من السيل المستمر من العمال والصناع فى الطرق، حل خطر لقاء الأشرار الذين يذرعونها، ويجثمون فى أطلال القرى المهجورة. وإذا كان ثمة بعض السادة الإقطاعيين قد غنموا من تراث المنفيين، فقد كان عدد الذين خسروا أعظم بكثير، وبلغ الأمر بالبعض أن طلبوا نفقات للطعام. أما الذين غنموا، فقد كانوا بلاشك هم الدوق دى ليرما وأسرته وقد استولوا على نصيب مما تحصل من بيع منازل الموريسكيين.

"ومن ثم فقد اعتبر نفى الموريسكيين من الناحية الاقتصادية، بالنسبة إلى اسبانيا أفدح إجراء مخرب يمكن تصوره. وإنه ليمكن أن نغض الطرف عن المبالغة التى دفعت بأحد الساسة الأجانب، وهو الكردينال ريشليو، أن يسميه "أعرق إجراء فى الجرأة والبربرية مما عرفه التاريخ فى أى عصر سابق" والحق أن الصدع الذى أصاب ثروة اسبانيا العامة من جرائه، كان من الفداحة بحيث أنه ليس من المبالغة أن نقول إنه لم يبرأ حتى عصرنا

<<  <  ج: ص:  >  >>