للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

التباين فى النظم القضائية، والثياب والعادات الخاصة بكل منطقة، ولكن ذلك لم يكن عقبة كأداء فى سبيل وحدة الدين، والروح القومى، ولم يخلق مثل المعضلة الدائمة، التى خلقها الدين بالنسبة للموريسكيين، والتى جعلتهم فى حالة دائمة من التربص والتوجس. إن ما بذله كارلوس الخامس وفيليب الثانى، لإخضاع الموريسكيين للنصرانية، مما لا يمكن وصفه، ولكن جهودهم كلها ذهبت عبثاً. ذلك أنه بعد ثلاثة قرون من الخضوع، لبث الموريسكيون فى عصر فيليب الثالث، يضطرمون بنفس الروح المتمردة، التى كانت لأسلافهم الذين أخضعوا بالسيف، وقد ارتضوا حالتهم كمحنة مؤقتة عابرة، ولم ينبذوا الأمل قط، ولم يتركوا قط الوسائل التى يعتقدون أنها تمكنهم ذات يوم من الأخذ بالثأر، واسترداد استقلالهم وسيادتهم".

ثم يقول: "وإنها لخرافة أن يقال إن الموريسكيين كانوا عنصراً مفيداً فى إنتاج اسبانيا، ولو أنهم كذلك لحملوا الرخاء إلى بلاد المغرب حيث ذهبوا" (١).

ويقول المؤرخ الكبير مودستو لافونتى، وسنرى أنه يذهب فى الصراحة وتقدير الحقائق المنزهة إلى أبعد حد:

"وعلى أى حال فإن مراسيم فيليب الثالث الشهيرة ضد الموريسكيين، قد جردت اسبانيا -وقد كانت يومئذ جد مقفرة من السكان بسبب الإدارة السيئة والحروب المستمرة- من طائفة كبيرة من السكان، أو بعبارة أخرى من السكان الزراعيين والتجاريين والصناعيين، من السكان المنتجين، أولئك الذين يساهمون بأكبر قسط فى الضرائب. وكان أقل ما فى ذلك تسرب الملايين من الدوقيات، التى حملتها الطائفة المنفية معها، فى الوقت التى كانت فيه المملكة تعانى من قلة النقد، فكان نقص الذهب الفجائى على هذا النحو أشد وطأة عليها. وكذلك وقع ضرر أفدح بذيوع النقد الزائف أو المنقوص، الذى روجه المنفيون بسوء قصد قبل رحيلهم. وأسوأ ما فى ذلك كله، هو أنه فقد برحيلهم العنصر العامل الذكى المتمرس فى الفنون النافعة. وهم قد بدأوا بالزراعة، وزراعة السكر والقطن والحبوب، التى كان لهم فى إنتاجها التفوق الجم، وذلك لنظامهم المدهش فى الرى بواسطة السواقى والقنوات، وتوزيع المياه بواسطة هذه الشرايين توزيعاً مناسباً،


(١) M. Danvilla y Collado: La Expulsion de los Moriscos Espanoles.
(Madrid ١٨٨٩) p. ٣٢٠-٢٢

<<  <  ج: ص:  >  >>