هذا عن الأحبار. وأما عن آراء البحث الإسبانى الحديث، فإنها تختلف فى تقدير آثار نفى الموريسكيين اختلافاً بيناً، بيد أنها تميل على الأغلب إلى الاعتراف بفداحة الآثار المخربة التى أصابت اسبانيا من جرائه، وإلى اعتباره عاملا قوياً فى تدهور اسبانيا وانحلالها. بيد أنها مع ذلك تحاول الاعتذار عن النفى، ويرى البعض أنه كان إجراء طبيعياً، وضرورة لا محيص منها، وينكر البعض الآخر أنه كان كارثة أو أنه ترتبت عليه آثار مخربة. وقد رأينا أن نورد هنا طائفة من آراء عدة من أكابر المؤرخين والمفكرين الإسبان المحدثين، وأن نوردها بدقة وإفاضة تسمحان بفهم الروح الإسبانية، إزاء هذا الحدث التاريخى الخطير، وتقديرها على حقيقتها.
يقول دانفيلا إى كوليادو:
"وهكذا تحقق نفى الموريسكيين الإسبان، بغض النظر عن كونهم شبانا أو شيوخاً، صالحين، أو عقماء، مذنبين أو أبرياء. وكانت مسألة الوحدة السياسية تحمل فى ثنيتها ضرورة الوحدة الدينية، وضع خطتها الملكان الكاثوليكيان، وحاول تحقيقها الإمبراطور كارلوس الخامس (شارلكان) وفيليب الثانى، ولكنهما ارتدا خشية من عواقبها. أما فيليب الثالث، فكان يزاول سلطانه عن يد أصفيائه، ولذا ألفى سلطة العرش الدينية والسياسية، أيسر وأهون. وكانت الحرب الدينية تضطرم ضد الجنس الأندلسى، وقد ألفت عواطف الروح الرقيقة نفسها، وجهاً لوجه أمام المسألة السياسية. ودخلت الإنسانية والدين فى صراع وخرج الدين ظافراً وفقدت اسبانيا أنشط أبنائها، وانتزع الأبناء من حجور أمهاتهم وحنان آبائهم، ولم يلق الموريسكى أية رأفة أو رحمة. ولكن الوحدة الدينية بدت ساطعة رائعة فى سماء اسبانيا، واغتبطت الأمة إذ أضحت واحدة فى جميع مشاعرها العظيمة.
" كان الموريسكيون شديدى المراس. وكان الوطن ينشد وحدة معنوية، تغدو متممة للوحدة السياسية، التى تحققت باندماج سائر العروش فى شبه الجزيرة، وكان عنصر تناقض قوى، كالذى تمثله طائفة الموريسكيين، لا يكون فقط عقبة شديدة يصعب تذليلها، ولكنه كان استحالة مطلقة، تحول دون تحقيق الغاية، التى تتجه إليها الحركة العامة للفكر القومى. وكانت الصعوبة كلها تجثم فى الدين.
ولم تكن اللغة التى تبدو خاصة قومية أخرى، تكون يومئذ أو فى أى وقت عقبة بمثل هذه الخطورة، ففى شمال اسبانيا، وفى شرقها، توجد اللهجات المختلفة، من الجليقية والقطلونية والميورقية والبلنسية وغيرها. وكذلك يوجد مثل هذا