للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

"بأن عصر اسبانيا الذهبى بدأ بذهاب الموريسكيين، وأن اسبانيا قد حققت به وحدتها الدينية، وأنقذت من مشاغلها الداخلية، وأن النفى كان أعظم حادث بعد بعث المسيح، واعتناق اسبانيا للنصرانية" (١). ويقول حبر آخر: "لقد زعم الموريسكيون أن رخاء اسبانيا قد ذهب مذ أكرهوا على التنصير، ولكن الرخاء قد عم بنفيهم، وازدهرت التجارة، وساد الأمن فى الداخل والخارج" (٢). ويقول الحبر بثنتى دى لافونتى فى تاريخه الدينى، إنه من السخرية أن يقال إن نفى الموريسكيين كان سبباً فى انحطاط اسبانيا، فإن أمة قد تفقد مائة وخمسين ألفاً فى وباء أو حرب أهلية. ثم يتساءل فى تهكم لماذا ينحى على فيليب الثالث بمثل هذا اللوم؟ على أنه يعترف مع ذلك بأن النفى كان سبباً فى تدهور دخل الأشراف والكنائس (٣).

ويرى آخرون من الأحبار أن اسبانيا قد دفعت بالنفى ثمناً باهظاً، ولكن تحملهم نزعة فلسفية فيقولون إن وفرة الرخاء تذهب بالفضائل، وإنه لا بأس من التقشف مع الإيمان، وإن الفقراء استطاعوا بعد إجلاء الموريسكيين أن يجدوا أعمالا (٤).

ولكن حبراً ومؤرخاً إسبانياً كبيراً، هو دون لورنتى مؤرخ ديوان التحقيق، يحدثنا عن وسائل الديوان ونفى الموريسكيين فى قوله: "كانت هذه الوسائل بقسوتها الشائنة، تذكى روع الموريسكيين من تلك المحكمة الدموية، وكانوا بدلا من التعلق بالنصرانية، وهو ما كانت تؤدى إليه معاملتهم بشىء من الإنسانية، يزدادون مقتاً لدين لم تحملهم على اعتناقه سوى القوة، وكان هذا سبب الإضطرابات التى أدت فى سنة ١٦٠٩ إلى نفى هذا الشعب، وعدده يبلغ المليون يومئذ، وهى خسارة فادحة لإسبانيا تضاف إلى خسائرها الفادحة، ففى مائة وتسع وثلاثين سنة انتزع ديوان التحقيق من اسبانيا ثلاثة ملايين، ما بين يهود ومسلمين وموريسكيين" (٥).

ويقول الكردينال ريشليو الفرنسى، وهو من أعظم أحبار الكنيسة فى مذكراته وكان معاصراً للمأساة: "إنها أشد ما سجلت صحف الإنسانية جرأة ووحشية".

...


(١) Bleda: Defensio fidel in Causa Neophglorum aive Morischorum in
Hispania
(٢) Lea: The Moriscos ; p. ٣٦٦
(٣) Lea: ibid , p. ٣٩٤ & ٣٩٦
(٤) Lea: ibid, p. ٣٦٧
(٥) Liorente: Historia Critica de la Inquisicion de Espana (١٨١٥-١٨١٧)

<<  <  ج: ص:  >  >>