للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أعلام المفكرين والعلماء؛ وبرع ابن رشد فى الفقه والطب والفلسفة، وتولى قضاء إشبيلية فى سنة ٥٦٥ هـ، ثم ولى قضاء قرطبة، واستمر زهاء خمسة وعشرين عاماً، يتقلب فى مناصب القضاء والإدارة، فى ظل حكومة الموحدين بالأندلس والمغرب، وتولى أثناء ذلك منصب الطبيب الخاص للخليفة أبى يعقوب يوسف، ثم لولده الخليفة يعقوب المنصور بعد وفاته. واتهمه بعض خصومه بالزندقة والخروج على شريعة الإسلام، فأمر الخليفة المنصور بنفيه إلى بلدة اليسّانة على مقربة من غرناطة، وفرضت عليه رقابة شديدة، ثم عفا عنه واسترد مكانته فى أواخر حياته، واستدعى ثانية إلى مراكش، وهنالك توفى بعد قليل فى سنة ٥٩٥ هـ (١١٩٨ م). وأعظم آثار ابن رشد هو شروحه لفلسفة أرسطو، فى المنطق وما وراء الطبيعة، وقد ترجمت إلى اللاتينية منذ القرن الثالث عشر، وكانت مفتاح الدراسات الأرسطوطالية فى العصور الوسطى. وقد كان يغمرها الغموض والحلك، قبل أن يتصدى ابن رشد لشرحها. وغدت شروح ابن رشد فى الوقت نفسه أساساً لكثير من المباحث الفلسفية، التى ازدهرت أيام حركة الإحياء الأوربى. بل يرى مؤرخو الفلسفة، أن الفلسفة الجدلية الأوربية استمدت من العرب والفلسفة العربية، أكثر مما استمدت من قسطنطينية التى كانت مستودعاً لتراث الفلسفة اليونانية. وكتب ابن رشد فى الطب مؤلفه "الكليات" وهو من أهم الآثار الطبية فى العصور الوسطى، وقد ترجم إلى اللاتينية وغيرها من اللغات الأوربية منذ القرن الثالث عشر ولابن رشد طائفة كثيرة أخرى من الرسائل والبحوث الفلسفية والكلامية.

وكانت الفلسفة على الأغلب علماً خطراً فى ظل حكومة الموحدين، وقد رأيت ما كان من اضطهاد ابن رشد ونفيه وسبب آرائه الفلسفية، وقد كان من ضحايا هذا الإضطهاد، فى هذا العصر، مفكر أندلسى آخر هو ابن حبيب الإشبيلى، الذى اتهم بالزندقة بسبب آرائه الفلسفية، أيام المأمون بن المنصور، وقتل لهذا السبب (١).

وهكذا كانت الفلسفة أيام الموحدين قرينة الإلحاد والزندقة، وكانت خطراً يجتنبه كثير من مفكرى العصر.

وظهرت فى تلك الفترة، إلى جانب هؤلاء العلماء، جمهرة من أقطاب الرواية والأدب، مثل أبى القاسم خلف بن بشكوال القرطبى المتوفى سنة ٥٧٨ هـ، (١١٨٣ م)، وهو مؤلف كتاب الصلة الذى ذيل به على كتاب علماء الأندلس


(١) نفح الطيب ج ٢ ص ١٣٨

<<  <  ج: ص:  >  >>