للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فى أحيان كثيرة، ويذكى من عواملها فى الوقت نفسه، تطاحن الأحزاب فى البلاط والجيش. وكان هذا النظام يتطور أحياناً فى ظل الملوك الضعاف إلى نوع من الإقطاع، ويستأثر بعض الزعماء الأقوياء والأسر ذات العصبية، بحكم المدن والثغور وكان الشعب الغرناطى سريع التقلب والغضب، يأخذ فى الثورات والإنقلابات السياسية بأعظم قسط.

وكانت مناصب الحكم الرئيسية فى حكومة غرناطة، تنحصر فى الوزارة وقيادة الجيوش والقضاء. فأما الوزارة فكانت تسند غالباً إلى أحد الأعلام من رجال القلم، وبين وزراء الدولة النصرية ثبت حافل من هؤلاء، مئل ابن الحكيم اللخمى، وابن الجياب، وابن الخطيب، وتلميذه ابن زمرك، وكلهم من أقطاب الكتابة والشعر. وكانت مهام الوزارة تتلخص فى أن يتلقى الوزير أوامر السلطان، ويعمل على تنفيذها، ويقوم بتوزيع مختلف الأعمال على أرباب المناصب، ويعنى بتحرير المكاتبات السلطانية، وصياغة المراسيم، وكان أكابر الكتاب من الوزراء يجدون فى هذه المهمة بالذات مجالا لعرض براعتهم النثرية والتحريرية. ولدينا فى مختلف الرسائل التى تركها لنا ابن الخطيب أروع نماذج للرسائل السلطانية التى تمتاز بأسلوبها العالى، وبيانها القوى (١)، وكان الوزير فى بعض الأحيان يقوم بقيادة الجيش، ويسير على رأسه للغزو، كما حدث أيام الحاجب رضوان، وأحياناً يتولى الوزير مهام السلطنة فى غياب السلطان، كما حدث أيام ابن الخطب، حيث كان ينوب عن السلطان حين تغيبه فى الغزو. وقد أسبغ على ابن الخطيب أيام وزارته لقب "ذى الوزارتين"، وهو لقب لم يحمله فى ظل الدولة النصرية سواه وابن الحكيم الرندى وزير السلطان محمد المخلوع، ويترتب عليه أن يتمتع الوزير بمقام الرياسة العليا ويغدو فى مرتبة "الحاجب"، ويتناول ضعف مخصصاته. ولم يحمل من وزراء الدولة النصرية لقب الحاجب سوى الحاجب رضوان، وزير السلطان يوسف أبى الحجاج. وكان الوزير يستعين بطائفة من "الكتاب" لتنفيذ مختلف المهام. والسلطان كاتب سر أو أمين خاص. وكثيراً ما يرتقى "الكاتب" إلى منصب الوزير.

والخلاصة أن الوزير كان رأس السلطة التنفيذية الحقيقية، وهو الذى يشرف سواء


(١) وقد أورد ابن الخطيب عدداً كبيراً منها فى كتابه، "ريحانة الكتاب ونجعة المنتاب" وهو ما يزال مخطوطاً

<<  <  ج: ص:  >  >>