للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بطريقة مباشرة أو بتوجيه سلطانه القوى، على تصريف شئون المملكة، وتوجيه سياستها الداخلية والخارجية.

وأما قيادة الجيوش، فكانت أهم المناصب فى دولة تواجه إغارة العدو على أراضيها باستمرار. وكان يختص بهذا المنصب الخطير، منذ أواخر القرن السابع الهجرى أسرة بنى العلاء، أحد بطون بنى مرين ملوك العدوة، وكان توليهم لقيادة الجيوش الأندلسية، نتيجة للتحالف التى توثقت أواصره بين بنى الأحمر وبنى مرين عصراً (١). وقد اشتهر أولئك القواد المغاربة بالبراعة والشجاعة، وكانت لهم فى ميادين الحرب والجهاد مواقف مشهورة. وكان المتولى لمنصب القيادة العامة يلقب بشيخ الغزاة، وكانت الجنود المغربية عنصراً بارزاً فى الجيش الأندلسى، وقد تخلفت بالأندلس منذ أيام المرابطين والموحدين جموع كثيرة من البربر (٢). وكانوا لبداوتهم وخشونتهم يؤثرون الحياة العسكرية على الحياة المدنية، وقد زاد عددهم بالأخص أيام عبور الجيوش المرينية إلى الأندلس. وبالرغم مما أداه القواد والجند المغاربة لمملكة غرناطة، من الخدمات الجليلة فى ميدان الحرب، فقد كانوا أحياناً خطراً على النظام والعرش، وكان لبنى العلاء شيوخ الغزاة أطماع سياسية، ظهرت خطورتها فى بعض الثورات والإنقلابات العنيفة.

وقد كانت قوة غرناطة العسكرية، فى الواقع عماد حياتها، التى استطالت أكثر من قرنين، وذلك بالرغم من القوى الجرارة المعادية، التى لبثت باستمرار ترهقها، وتستنفد مواردها.:كان الجيش الأندلسى، فضلا عما كان يزخر به من العناصر المجاهدة الباسلة، من البربر وجند البشرّات وغيرها، من المناطق الجبلية، يتمتع بكثير من المزايا البارزة، فكان يضم فرقاً من أبرع الرماة، وكان بالأخص يتفوق بفرق الفرسان، التى اشتهرت فى تلك العصور ببراعتها التى لا تبارى.

وإلى جانب ذلك كانت الطبيعة تحبو غرناطة برعايتها، وتساعدها التلال المرتفعة والمفاوز الوعرة، التى تتخللها فى كل ناحية، على شدة المقاومة، وإتقان حرب العصابات التى ترهق الجيوش المنظمة. وكانت القواعد الأندلسية، من جراء الحروب المتواصلة، قد حولت جميعها إلى قلاع منيعة، وشيدت الحصون القوية فى كل مكان يصلح للمقاومة. وكان للحاجب رضوان النصرى وزير السلطان يوسف أبى الحجاج ثم ولده الغنى بالله، فى ذلك مجهود بارز، حيث أنشأ سور غرناطة الكبير المحيط


(١) راجع نفح الطيب ج ٢ ص ٥٣٨.
(٢) راجع ص ٧٣ من هذا الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>