للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بربض البيازين، وشيد سلسلة من الأبراج المنيعة أربت على أربعين، تمتد من شرق المملكة إلى غربها (١). وأهم من ذلك كله أن مسلمى الأندلس، كانوا قد وقفوا فيما يبدو على سر البارود (٢)، واستعملوه منذ منتصف القرن الرابع عشر، حسبما فصلنا فى موضع سابق (٣). وكان لذلك كله أثر واضح فى تمكين مملكة غرناطة الصغيرة، من الوقوف فى وجه عدوها القوي بنجاح، طيلة هذه العصور.

وكان للقوى البحرية أيضاً شأنها، فى كفاح الأندلس من أجل حياتها، وكانت مملكة غرناطة تسيطر من ثغورها الشهيرة: جبل طارق والجزيرة وطريف ومالقة، على مدخل البحر الأبيض المتوسط، وكانت أهم مهام الأسطول، بعد حماية الشواطىء والثغور، تأمين الصلة المباشرة بين مملكة غرناطة، وبين إخوانها المسلمين فيما وراء البحر فى المغرب الأقصى، وقد استطاعت الأساطيل الأندلسية والمغربية، أن تحتفظ بسيادتها فى هذه المياه عصوراً، وكان انهيار قوة غرناطة البحرية، وسقوط ثغورها فى يد النصارى، نذير السقوط النهائى.

وكان أرفع المناصب القضائية، منصب قاضى الجماعة، وهو ما يقابل فى الأندلس، منصب قاضى القضاة فى مصر الإسلامية. وقاضى الجماعة هو أيضاً قاضى الحضرة أو قاضى غرناطة، والغالب أن يجمع فى نفس الوقت بين منصبه ومنصب خطيب الحمراء، أو خطيب الجامع الأعظم (٤)، وهو أيضاً من المناصب الدينية الرفيعة. وكان القضاء يجرى فى مملكة غرناطة، على مذهب الإمام مالك، وهو مذهب الأندلس المفضل منذ أواخر القرن الثانى الهجرى. وكان يجرى تعيين قاضى الجماعة "بظهير" أى مرسوم ملكى. وكانت كلمة "الظهير" هى الغالبة فى مملكة غرناطة للتعبير عن المراسيم والقوانين السلطانية، وهى ما زالت تستعمل حتى اليوم فى المغرب الأقصى، حيث يوصف الرسوم بأنه "ظهير ملكى". وكان لكل مدينة قاضيها وخطيبها، ولا يشغل مناصب القضاء سوى أكابر العلماء والفقهاء.

ويتبع القضاء وظيفة الحسبة وهى أيضاً وظيفة دينية، تقوم على الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر، ويختص صاحبها بمطاردة المنكرات، والتعزير والتأديب على


(١) الإحاطة فى أخبار غرناطة ج ١ ص ٥١٧.
(٢) Prescott: Ferdinand and Isabella p. ١٩٣-١٩٤
(٣) راجع ص ٢١٢ من هذا الكتاب.
(٤) راجع نفح الطيب ج ٣ ص ٧٠ و ٧٤ و ١٩٧

<<  <  ج: ص:  >  >>