للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قدرها، والعمل على احترام الأحكام الشرعية، وقمع الغش والاختلاس فى المعاملات، وأمور المعيشة والمكاييل والموازين، وله أيضاً أن يحمل الناس على أداء المصالح العامة، مثل تمهيد الطرقات والإضاءة بالليل وغير ذلك.

وكان يعهد بحفظ النظام والأمن إلى متولى الشرطة، وكان يسمى أيام الدولة الأموية صاحب الشرطة، ويعتبر منصبه من أعظم المناصب القضائية والإدارية، وكان ينتخب عادة من كبار القواد أو الخاصة، ويتمتع بسلطات قضائية وإدارية واسعة. ثم سمى بعد ذلك بصاحب المدينة وصاحب الليل. وكان يعتبر فى منصبه تابعاً للوزارة، مسئولا أمامها، وكان جل اختصاصه أن يتولى حفظ النظام والأمن، ومطاردة المجرمين وأهل الفساد، وتنفيذ العقوبات الجنائية، من الحد والتعزير وغيرهما فيمن وجب عليه ذلك، وهو الذى يتولى الإتهام والتحقيق وتوقيع العقوبة، دون تدخل القاضى، ويعاونه فى مهمته جماعات من الحراس، تجوب أنحاء المدينة ليلا، وتشرف على حراسة الطرق والأمكنة وتعقب الجناة (١).

- ٣ -

وقد أشرنا فيما تقدم، إلى ما كانت تتمتع به مملكة غرناطة، بالرغم من انكماش رقعتها من الموارد والثروات الطبيعية الوفيرة. وكانت الزراعة منذ أيام الدولة الأندلسية الكبرى، من أعظم موارد الأندلس، وكانت وديان اسبانيا الخصبة، التى تتخللها عدة من الأنهار العظيمة، وتربتها البديعة، وأقليمها المتقلب بين الحرارة والبرودة، تفسح أعظم مجال لشعب عامل ذكى. وكان مسلمو الأندلس من أنبغ الشعوب، فى فلاحة الأرض وتربية الماشية وغرس الحدائق، وتنظيم طرق الرى، ومعرفة أحوال الجو، وكل ما يتعلق بفنون الزراعة وخواص النبات، وكانت مزارعهم وحدائقهم مضرب الأمثال فى الجودة والنماء؛ وقد نقل العرب من المشرق وشمال إفريقية إلى اسبانيا كثيراً من الأشجار والمحاصيل، كالقطن والأرز وقصب السكر والزعفران والنخيل، وكانت بسائط شبه الجزيرة الإسبانية فى أيامهم رياضاً نضرة، وكانت غياض القمح وغابات الزيتون، وحدائق البرتقال والتوت والكروم، من أبدع ما ترى العين فى وديان الأندلس ومروجها النضرة. وأما نبوغ مسلمى الأندلس فى تنظيم وسائل الرى والصرف، واستجلاب الماء وتوزيعه بالطرق الفنية، فما زالت تشهد به آثارهم الباقية إلى الآن، فى وديان الأندلس، من القناطر والجداول الدارسة.


(١) ابن خلدون: المقدمة ج ١ ص ٢٠٩ و ٢١٠؛ ونفح الطيب ج ١ ص ١٠١

<<  <  ج: ص:  >  >>