للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقد أقيمت أيام الدولة الأموية عدة من القناطر الشهيرة، وحفرت ترع ومصارف لا حصر لها، فى مختلف أنحاء اسبانيا، وكلها مما يشهد لصانعها بالمهارة والتفوق. وقد شاهدت أثناء تجوالى فى اسبانيا بعض المناطق التى ما زالت تقوم فى زراعتها على مشاريع الرى الأندلسية القديمة مثل منطقة لاردة وأحوازها ومنطقة بلنسية وأحوازها ومرسية وأحوازها. وكان لأهل الأندلس شهرة خاصة فى غرس الحدائق وتنسيقها، وقد كانت حدائق الرصافة والزهراء والزاهرة، بدائع تشهد لهم بوفرة البراعة وحسن الذوق، وكانت روعتها مستقى خصباً لخيال الشعراء والكتاب، وما زالت هذه البراعة حتى اليوم علماً على جمال الحدائق الأندلسية. وقد اتخذت فنون الزراعة على يد الأندلسيين طابعاً علمياً، وألفت فيها الكتب القيمة. وقد انتهى إلينا من آثارهم فى ذلك كتاب "الفلاحة" لابن بصال الطليطلى (القرن الحادى عشر الميلادى)، وكتاب "الفلاحة" أيضاً لتلميذه أبى زكريا ابن العوام الإشبيلى (أواخر القرن الثانى عشر)، ومؤلف ثالث فى "الفلاحة" أيضاً للطغنرى الغرناطى (١). وفى هذه الكتب كلها ما يدل على مبلغ ما وصل إليه مسلمو الأندلس من معرفة بخواص التربة، واستخراج كنوز الأرض، وطرق الرى والصرف، وأحوال الطقس وغيرها.

وكانت مملكة غرناطة بالرغم مما يتخللها من الجبال والهضاب الوعرة، تضم كثيراً من الوديان والبسائط الخصبة، وكانت ضفاف شَنيل سلسلة من البسائط الخضراء، تتخللها مئات الترع والقنوات؛ وكان المرج الشهير، الواقع غربى غرناطة La Vega، وهو الذى لبث أكثر من قرنين مسرحاً للمعارك المستمرة بين المسلمين والنصارى، بحقوله وحدائقه النضرة، كأنه قطعة من الجنان، أودعها المسلمون كل براعتهم. وكانت المحاصيل المختلفة تتعاقب طول العام، وتنتج البلاد كل ما يكفيها من الأطعمة والمؤن. وكانت مزارع الكروم الأندلسية الشهيرة، تغطى مساحات واسعة فى غرناطة ومالقة وشريش.

وكذلك ضرب مسلمو الأندلس فى الصناعة بأوفر سهم. وكانت اسبانيا المسلمة أيام قوتها، أعظم الأمم الصناعية فى أوربا؛ وكانت ثرواتها المعدنية، من الحديد والرصاص والزئبق والذهب والفضة وغيرها، تمدها بأسباب التفوق فى هذا الميدان.


(١) نشركتاب "الفلاحة" لابن بصال بعناية معهد مولاى الحسن بتطوان سنة ١٩٥٥، وتوجد نسخة مخطوطة من كتاب "الفلاحة" لابن العوام بمكتبة دير الإسكوريال. وكذلك توجد نسخة من كتاب الطغنرى

<<  <  ج: ص:  >  >>