للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقد اشتهرت بالأندلس بنوع خاص، بصناعة الأسلحة الجيدة، تنتجها بوفرة وتصدرها إلى أمم أوربا وإفريقية. وكذا اشتهرت بصناعة الصوف والحرير، والأقمشة الملونة الممتازة، وصناعة الجلود الدقيقة التى برع فيها أهل قرطبة بنوع خاص. وطبق مسلمو الأندلس تفوقهم فى الكمياء فى ميدان الصناعة، فبرعوا فى صنع الأدوية والعقاقير، واستخراج العطور من الأزهار، وتركيب الأصباغ المختلفة، ولاسيما اللون الذهبى، وغيره من الألوان الزاهية. وقد استطاعت مملكة غرناطة، أن تستبقى كثيراً من الصناعات الأندلسية القديمة، فاستمرت غرناطة مركزاً عظيما لصناعة الأسلحة والذخائر، وكان تفوقها فى هذه الصناعة من أسباب قوتها، وتمكنها طويلا من مدافعة أعدائها. وكذلك استمرت صناعة الحرير على تقدمها وازدهارها، ولاسيما فى مالقة وألمرية، وكانت يومئذ من أعظم موارد الأندلس. وقد نقلت المدن الإيطالية، التى اشتهرت بصناعة الحرير فى العصور الوسطى، عن الأندلسيين معظم فنونهم وطرائقهم فى هذه الصناعة المربحة، وكانت مدينة فيرنتزا (فلورنس) تستورد كميات كبيرة من الخام من غرناطة، حتى أواخر القرن الخامس عشر (١). ولبثت صناعة الأوانى الخزفية الجميلة، مزدهرة حتى العصر الأخير، وما زالت بقايا هذه الصناعة الأندلسية القديمة قائمة حتى اليوم فى بعض المدن الإسبانية ولاسيما فى إشبيلية ومالقة، وما زالت المتاحف الإسبانية تغص بكثير من الأوانى الخزفية الأندلسية والموريسكية البديعة الصنع والزخرف. وكذلك لبثت صناعة الجلود الفاخرة الملونة، حتى نفى الموريسكيين، وقد نقلت بعد نفيهم على يدهم إلى أوربا. واشتهرت الأندلس أيضاً بصناعة الورق، وأنشئت لها المصانع العظيمة ولاسيما فى طليطلة وشاطبة، ونقلها ْالإسبان عن المسلمين، ثم انتقلت إلى أوربا عن طريق فرنسا، وذاعت فيها منذ القرن الثالث عشر. وقد اكتشف الغزيرى، عدة مخطوطات بمكتبة الإسكوريال، ترجع إلى القرن الحادى عشر، كتبت على ورق مصنوع من القطن، وأخرى ترجع إلى القرن الثانى عشر، كتبت على ورق مصنوع من الكتان، وكان لهذه الصناعة مكانتها فى مملكة غرناطة.

أما التجارة فقد بلغت شأواً بعيداً فى الأندلس، وذلك لحسن موقعها وكثرة ثغورها، وتوسطها بين أوربا وإفريقية، وانتظام صلاتها البحرية، مع سائر ثغور


(١) Prescott: Ferdinand and Isabella: p. ١٩١

<<  <  ج: ص:  >  >>