للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

البحر المتوسط. وكانت علائقها التجارية تمتد حتى قسطنطينية. وثغور الشام والإسكندرية، وترسو سفنها التجارية فى الثغور الإيطالية، ولاسيما جنوة ورومة والبندقية. وكانت ثغورها تزخر بمختلف الواردات، من بلاد أوربا وإفريقية والمشرق. وازدهرت الحركة التجارية فى غرناطة ولاسيما التجارة الخارجية، وكان للجنويين وغيرهم، من الأمم ذات الصلات الإقتصادية الوثيقة بالأندلس، منشآت تجارية فى غير غرناطة. وعقدت غرناطة مع جمهورية جنوة ومع مملكة أراجون معاهدات تجارية عديدة أشرنا إلى بعضها فيما تقدم. وكانت خلال القرنين الرابع عشر والخامس عشر من أعظم المراكز التجارية فى جنوب أوربا، حتى لقد وصفها بعض المؤرخين المعاصرين بأنها "مدينة جميع الأمم". ويقول مؤرخ إسبانى "إن شهرة سكانها فى الأمانة والثقة، بلغت إلى حد أن كلمتهم المجردة، كان يعتمد عليها، أكثر مما يعتمد على عقد مكتوب بيننا" (١).

وكان الرخاء يسود مملكة غرناطة طوال أيامها، وقلما كانت تصدع منه الثورات الطارئة أو الحروب المتواصلة. وكانت موارد الخزينة أو الموارد السلطانية كثيرة منوعة، تتكون من ضريبة الأراضى المنزرعة، وتبلغ فى المتوسط نحو سبع قيمة المحصول، والأموال المرسومة على السفن الواردة والصادرة، ودخل دار السكة، ودخل بيت المال، من زكاة وصدقات وميراث من لا وارث له، وأخماس الغنائم التى كانت تحصل من العدو، ومختلف الضرائب التجارية والمهنية. وكانت للعرش فوق ذلك أملاك ومزارع عظيمة فى فحص غرناطة (المرج) تعرف بالمستخلص.

وكانت الضرائب فى مملكة غرناطة على وجه العموم. أكثر مما كانت عليه فى الدول الإسلامية السابقة. وقد يرجع ذلك من بعض الوجوه إلى استمرار الصراع بلا انقطاع بينها وبين النصارى. وقدر دخل مملكة غرناطة فى تلك العصور، بنحو مليون ومائتى ألف دوقة (٢)، وهى قيمة لا يستهان بها فى ذلك العصر، وكان يتولى الإشراف على شئون الدخل والخرج وأعمال الجباية موظف كبير يسمى "صاحب الأشغال"، وكانت ثمة طوائف كبيرة من الشعب الغرناطى تتمتع بالثراء، ويقتنى الكثيرون الحلى والجواهر النفيسة ولاسيما أبناء الطبقات العليا. وكانت غرناطة


(١) Prescott: ibid ; p. ١٩٠
(٢) الدوقة هى عملة ذهبية كانت ذائعة فى أوربا فى العصور الوسطى وتبلغ قيمتها نحو نصف جنيه من عملتنا الحديثة

<<  <  ج: ص:  >  >>