للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وكان احتفالهم بالأعياد أنيقاً، ولكن فى حدود الإعتدال والاقتصاد. وكان الشعب الغرناطى يعشق مياهج الحياة والحفلات العامة، وكانت الحياة لديه كأنها سلسلة من الأعياد المتواصلة. وكان الغناء ذائعاً، ويكثر فى المنتديات والمقاهى العامة، حيث يجتمع الشباب بكثرة، ولم تنس غرناطة مرحها حتى فى أيام محنتها، ولم تغلبها الكآبة إلا حينما أصبح العدو على الأبواب يهدد حياتها (١).

وقد استمرت الفروسة الأندلسية فى مملكة غرناطة على ازدهارها، ولبثت عصوراً تجذب الأنظار باكتمالها وروعتها ورِقَّة شمائلها. وفضلا عن كونها كانت عماد الدفاع القومى، حسبما أشرنا من قبل، فقد كانت مظاهرها وحفلاتها من أمتع المباهج العامة، فى ميدان كان التسامح المؤثر يسود فيه علائق المسلمين والنصارى، بالرغم مما كان يدور بين الفريقين من صراع مستمر. وقد اشتهر ملوك غرناطة، فضلا عن الجود، بميلهم نحو الحرية والتسامح، فكان الأمراء المسلمون والنصارى يتبادلون الزيارات، وكانوا يتلاقون أيام السلم وفى المفاوضات أنداداً كراماً. ومن أشهر مظاهر هذا التواصل ما حدث فى ربيع سنة ١٤٦٣، حيث سار هنرى الرابع ملك قشتالة إلى أراضى غرناطة، وزار ملكها ابن اسماعيل، والتقى الملكان فى مكان بقرب الفحص La Vega، ضربت فيه خيمة ملكية أمام أبواب العاصمة، ولما انتهت الزيارة وتبادل الفريقان الهدايا، رافقت ملك النصارى كوكبة من الفرسان المسلمين، وشيعته حتى الحدود. وكذلك كان الفرسان المسلمون والنصارى يتبادلون الزيارات، وكثيراً ما كان الفرسان النصارى يقصدون إلى غرناطة، لقضاء مصالحهم وتسوية منازعاتهم، وكذا كان كثير من الأسر القشتالية النبيلة، يلجأ إلى حماية ملك المسلمين كلما شعرت بالإضطهاد والحيف، وكان فى مقدمة هؤلاء آل فيلا وآل كاسترو؛ وكانت مباريات الفروسة وحفلاتها تتوالى فى غرناطة، وفيها يبدى الفرسان المسلمون ضروباً رائعة من البراعة والرشاقة. وكان من أهم مميزات هذه الحفلات الشهيرة اختلاط الجنسين، فكان نساء غرناطة، البارعات فى الحسن والإناقة، يشهدن هذه الحفلات وغيرها من الحفلات العامة سافرات، ويسبغن بوجودهن عليها روعة وسحراً، وكن يتمتعن بقسط وافر من الحرية الاجتماعية (٢)،


(١) الإحاطةج ١ ص ١٤٣، واللمحة البدرية ص ٢٨، وكذلك فى: Prescott: Ferd. & Isabella, p. ١٩٢
(٢) Prescott: Ferdinand & Isabella, p. ١٩٢

<<  <  ج: ص:  >  >>