للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ومما يجدر ذكره، أن العمامة كانت يومئذ قد اختفت تقريباً كلباس رأس بين الشعب الأندلسى، ولم يكن يلبسها سوى العلماء والقضاة (١). وقد حلت القلانس منذ عهد بعيد مكان العمائم. وكان أهل شرق الأندلس أسبق من غيرهم فى نبذ العمامة، وذاعت القلانس بينهم منذ أوائل القرن السابع، حتى كان أمراؤهم وشيوخهم وقضاتهم يلبسون القلانس، وكان كثير من أمراء المسلمين مثل ابن مردنيش وغيره يرتدون الثياب القشتالية (٢). ولم يلبس ملوك بنى الأحمر العمامة، بل فضلوا القلنسوة (كاب) واتخذوها لباساً حتى آخر دولتهم. وكان بمتحف جنة العريف بغرناطة قبل إلغائه، صورة يقال إنها لأبى عبد الله آخر ملوك الأندلس، وهى تصوره بقلنسوة عالية (٣). وأما القضاة فقد احتفظوا بالعمامة كلباس رسمى. وتوجد فى سقف قاعة الملوك أو قاعة العدل بقصر الحمراء، صورة تمثل مجلس القضاة وهم بالعمائم والبرانس، وهى الصورة التى يعتقد البعض أنها تمثل ملوك غرناطة.

وكان الأمراء والأكابر، وفريق كبير من أبناء الطبقات الميسورة، يؤثرون ارتداء الثياب الإفرنجية، اقتداء بجيرانهم النصارى، ولاسيما فى عصور الأندلس الأخيرة. وأما ثياب الجندى الأندلسى فقد كانت فى العصور المتأخرة مشابهة لثياب الجند النصارى، وكذلك عدتهم وسلاحهم ونظامهم فى الصفوف، ثم عدلوا فى عصر ابن الخطيب عن هذا الزى، إلى الجواشن المختصرة والبيضات المذهبة، والسروج العربية. وكانت الجنود البربرية من جانبها، تحافظ على زيها المغربى (٤).

وكان أهل الأندلس مضرب الأمثال فى النظافة، يبالغون فى العناية بنظافة أبدانهم وثيابهم، ويكثرون من الاستحمام. وقد كانت هذه العادات فيما بعد، حينما أكره المسلمون على التنصير، من الشبه التى تثيرها ضدهم محاكم التحقيق، للتدليل على تشبثهم بالإسلام، وارتدادهم عن النصرانية.

وكان المجتمع الغرناطى يعيش فى رخاء وسعة، تكثر لديه الأقوات فى الشتاء والصيف، ولاسيما الفاكهة من العنب والتين والزبيب والتفاح والقسطل والجوز واللوز وغيرها، ويدخرها الناس يابسة على كر الفصول، ومتى حل الصيف، هرع الناس إلى الفحوص (المروج) أعنى الضواحى، للتمتع بجمال البسائط النضرة، ونسيمها العليل (٥).


(١) الإحاطة ج ١ ص ١٤٢.
(٢) راجع ص ٨١ و ٩٩ من هذا الكتاب.
(٣) نشرنا هذه الصورة فى ص ٢٧٥.
(٤) الإحاطة ج ١ ص ١٤٢.
(٥) راجع ابن الخطيب فى الإحاطة ج ١ ص ١٤٣ و ١٤٤، واللمحة البدرية ص ٢٧ - ٢٩

<<  <  ج: ص:  >  >>