العلماء والفلاسفة، هذا بينما احتفظت الآداب فى مملكة غرناطة بروائها وازدهارها، حتى اللحظة الأخيرة من حياتها.
وقد تقلبت الحركة الفكرية الأندلسية فى المائتين وخمسين عاماً التى عاشتها مملكة غرناطة، فى أطوار ثلاثة: طور الفتوة، وطور النضج، وطور الإنحلال الأخير. وسوف نحاول أن نستعرض هذه الأطوار الثلاثة تباعاً، ذاكرين أقطاب التفكير والأدب فى كل مرحلة منها.
- ٣ -
ويبدأ الطور الأول باستقرار مملكة غرناطة وتوطدها، فى أواخر القرن السابع الهجرى وأوائل القرن الثامن.
وقد حفلت هذه الفترة التى بزغت فيها شمس الأندلس من جديد، بجمهرة من الشعراء والأدباء والعلماء، وازدهر الأدب، واستعاد الشعر بنوع خاص، كثيراً من روعته وروائه القديم.
وكان فى طليعة شعراء هذه الفترة، الكاتب البليغ والأديب البارع، الوزير ابن الحكيم. وهو أبو عبد الله محمد بن عبد الرحمن بن ابراهيم بن يحيى اللخمى الرندى وأصلهم من بيوتات إشبيلية، وكان جد والده يحيى طبيباً عرف بالحكيم، وأسبغ لقبه على الأسرة. ولما اضطرمت الفتنة بالأندلس أيام الطوائف، انتقلت الأسرة إلى رندة، وولد ابن الحكيم برندة سنة ٦٦٠ هـ، ووفد على غرناطة فتى، أيام السلطان أبى عبد الله محمد المعروف بالفقيه، فولاّه كتابته فى ديوان الإنشاء. ثم تقلد بعد وفاته الوزارة لولده السلطان أبى عبد الله محمد المخلوع، إلى جانب وزيره أبى سلطان عزيز الدانى. فلما توفى أبو سلطان، انفرد ابن الحكيم بالوزارة، ولقب بذى الوزارتين لجمعه بين الكتابة والوزارة. واستبد بالحكم حيناً حتى نشبت الثورة فى غرناطة ضد السلطان أبى عبد الله المخلوع وحكومته الطاغية، وقتل فيها ابن الحكيم يوم عيد الفطر سنة ٧٠٨ هـ (١٣٠٨ م) حسبما أسلفنا فى موضعه. وكان ابن الحكيم شاعراً مجيداً وكاتباً بليغاً وخطيباً ذلقاً، وقد وصفه ابن الخطيب فى الإحاطة بقوله:"كان علماً فى الفضيلة والسراوة ومكارم الأخلاق، كريم النفس، واسع الإيثار، متين الحرمة، عالى الهمة، كاتباً بليغاً، أديباً، شاعراً"، وفى كتاب "عائد الصلة" بقوله: "كان فريد دهره سماحة وبشاشة ولوذعية وانطباعاً، رقيق الحاشية،