للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولما توفى السلطان عبد العزيز بعد ذلك بقليل (٧٧٤ هـ)، وخلفه ولده السعيد طفلا على العرش، غادر بلاطُ المغرب تلمسان، وسار ابن الخطيب برفقة الوزير أبى بكر بن غازى القائم بالدولة، ونزل بفاس، واقتنى الضياع والدور، واستمر على مكانته فى الدولة. ولكن حوادث المغرب ما لبثت أن تمخضت عن انقلاب جديد. ذلك أن الثورة نشبت فى شمال المغرب، على يد بعض الزعماء من بنى مرين. وعضدت حكومة الأندلس هذه الحركة وأمدتها بالعون، ونادى الثوار بولاية الأمير أحمد بن السلطان أبى سالم. وحاول الوزير ابن غازى مقاومة الثوار فلم يفلح، واقتحم الخوارج فاس فأذعن الوزير، وخلع الملك الطفل السعيد، وجلس السلطان أحمد على العرش وذلك فى أوائل سنة ٧٧٦ هـ (١٣٧٤ م).

وكان ابن الخطيب قد لجأ فى أثناء ذلك إلى البلد الجديد (ضاحية فاس)، وكان التفاهم قد تم بين السلطان ابن الأحمر (الغنى بالله) وزعماء الفتنة، بشأن ابن الخطيب ومصيره؛ فلما وقع الانقلاب بادر السلطان الجديد بالقبض على ابن الخطيب واعتقاله، تنفيذاً للعهد الذى قطعه لابن الأحمر، ولم يدخر وزيره سليمان بن داود، وقد كان من ألد خصوم ابن الخطيب، جهداً فى تشديد النكير عليه وتدبير مصرعه. وكان ابن الأحمر يتوق إلى الانتقام من وزيره السابق، لما نمى إليه من أنه كان يحرض السلطان عبد العزيز على غزو الأندلس. وبعث ابن الأحمر وزيره أبا عبد الله بن زمرك إلى فاس ليعمل على تحقيق هذه الغاية، وعقد السلطان أحمد مجلساً من رجال الدولة وأهل الشورى، استدعى إليه ابن الخطيب لمناقشته، ومواجهته بالتهم المنسوبة إليه، وأخصها تهمة الزندقة، استناداً إلى ما ورد فى بعض رسائله، وعزر ابن الخطيب وعذب أمام الملأ، وأفتى بعض الفقهاء المتعصبين بوجوب قتله، ودس عليه الوزير سليمان بعض الأوغاد فقتلوه خنقاً فى سجنه، وأخذت جثته فى الغد وأضرمت فيها النار، ثم دفنت خارج فاس على مقربة من باب المحروق؛ وما زال قبره المتواضع قائماً هنالك فى مكانه حتى يومنا (١).

وهكذا ذهب الكاتب والمفكر الكبير، ضحية الجهالة والتعصب والأحقاد


(١) كتبت ترجمة مستفيضة لحياة ابن الخطيب، والحوادث السياسية التى تقلب فيها، صدّرتُ بها كتاب "الإحاطة فى أخبار غرناطة"، الذى عنيت بتحقيقه، وصدر منه الجزء الأول بالقاهرة فى سنة ١٩٥٦ (ص ٣٠ - ٨٢)

<<  <  ج: ص:  >  >>