الأخيرة من حياة الإسلام فى اسبانيا، من الدقة والافتنان. وسوف يبقى قصر الحمراء، وما يحتويه من النقوش والزخارف والصور الفريدة، رمزاً خالداً للعمارة الإسلامية، ولروعة الفن الإسلامى فى الأندلس.
وقد كان لفنون العمارة الأندلسية فى مختلف عصورها أعمق الآثار داخل شبه الجزيرة الإسبانية، فكانت القصور الملكية فى الممالك الإسبانية النصرانية، نماذج من القصور الملكية الأندلسية؛ وتطورت فيها مظاهر الحصون الرومانية القديمة، وظهرت عليها مسحة أندلسية. وكان هذا التأثير أشد وأعمق فى حياة النبلاء القشتاليين، وفى طراز مساكنهم المدنية، فقد حل مكان المنزل المحزن الموحش، المكون من غرف قليلة الضوء قليلة التهوية، المنزل الذى تغمره أشعة الشمس، والذى تطل الأروقة الداخلية على فنائه، وفيه الماء الجارى، وفى داخل جدرانه الأربعة تتذوق الحياة كاملة، وتبدو عليه البسمة. وقد أسبغت هذه المنازل على اسبانيا طابعها الخاص (١). وما زال ظراز المنازل الأندلسية قائماً واضحاً فى مدن أندلسية قديمة مثل إشبيلية وغرناطة وشريش، وهذا الطراز من المنازل تفضله الأرستقراطية بنوع خاص. بل لقد كان أثر الفن المعمارى الأندلسى قوياً فى الكنائس ذاتها؛ ففى كثير من الكنائس الإسبانية والبرتغالية الأثرية ترى خطة المسجد ظاهرة فى عقودها وأروقتها. وقد أقيمت أبراج كثير من الكنائس الشهيرة على نمط المنارة الإسلامية، واتخذت منارة الخيرالدا الشهيرة بإشبيلية نموذجاً لكثير من الأبراج فى كنائس اسبانيا الجنوبية. بل لقد تسرب تأثير الفن الإسلامى إلى الهياكل ذاتها، فنرى مثلا مصلى دير "الهولجاس" أو المدير الملكى فى مدينة برغش، وقد صنعت على الطراز الإسلامى، وعليها قبة عربية مقرنصة ْالزخارف. ولما تضاءلت رقعة اسبانيا المسلمة، وسقطت معظم القواعد الأندلسية فى يد الإسبان، لبث المدجنون عصوراً ينقلون الفنون الإسلامية إلى صروح اسبانيا النصرانية. وكانت غرناطة ترسل العرفاء إلى قشتالة ليقوموا بإصلاح الصروح الإسلامية القديمة فى المدن الأندلسية القديمة التى استولت عليها قشتالة.
نعرض بعد ذلك لناحية أخرى من الفن الإسلامى فى الأندلس هى الموسيقى.
وقد كان للموسيقى بين فنون الحضارة الإسلامية أيما شأن، وكان ازدهارها بالأخص فى بغداد وقرطبة، حيث بلغت حضارة الإسلام ذروة العظمة والنضج.