للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والتقاليد الموسيقية الأندلسية، تمثل مثولا قوياً فى فنون الموسيقى والرقص والغناء الإسبانية الحديثة (١).

وقد كانت الأمة الأندلسية أمة مرهفة الشعور والحس، تعشق الفن الجميل، وتحب الحياة الناعمة المترفة، وتجنح إلى المرح والطرب. وقد وصف لنا ابن الخطيب لمحة من هذا الترف، الذى كان عنواناً لحياة الأمة الأندلسية فى عصورها الأخيرة، وذكر لنا كيف كان الشعب يعشق الغناء والموسيقى، وكيف كانت غرناطة تموج بالمقاهى الغنائية التى يؤمها الشعب من سائر الطبقات (٢). وقد اشتهر الرقص الأندلسى بجماله وافتنانه فى مجتمعات العصور الوسطى، وما زال شعب غرناطة المرح الطروب مقبلا خلال كفاحه الطويل، على حياته المترفة الناعمة، حتى أصبح العدو على الأبواب.

وللأندلسيين آثار قيمة فى الموسيقى العلمية والعملية. وفى مكتبة الإسكوريال مخطوط عربى نفيس للفيلسوف أبى نصر الفارابى عن الموسيقى وعناصرها ومبادئها وأوضاعها وأنغامها، وكذلك عن الآلات الموسيقية المختلفة وأشكالها وتراكيبها (٣).

وهو دليل على ما بلغه المسلمون فى هذا الفن من الرسوخ والابتكار.

وقد يرى بعض الباحثين الغربيين أن الأندلسيين تلقوا معظم تراثهم الفنى، عن الفن النصرانى. وفى هذا الرأى مبالغة، فقد اقتبس الأندلسيون من فنون القوط والفرنج والبيزنطيين والبنادقة، ولكنهم كانوا مبتكرين أيضاً، وكانوا منشئين لفن إسلامى محض، بما أسبغوه عليه من ألوان الإفتنان الرائع التى اختصوا بها، وتميز بها تراثهم الفنى مدى الأحقاب.

- ٥ -

هذا. وقد غاضت اليوم من الأندلس كل مظاهرها القديمة، وأصبحت سائر القواعد الأندلسية القديمة اليوم، مدناً اسبانية نصرانية، وقد اختفت معظم الصروح والآثار الأندلسية، ولم تبق منها اليوم سوى بقية صغيرة، متناثرة هنا وهناك؛ وإذا تركنا جامع قرطبة (وهو اليوم كنيسة قرطبة العظمى)، وحمراء


(١) Murphy: ibid ; p. ٢٩٦، وهذا ما يستطيع أن يلاحظه كل من زار اسبانيا وشهد حفلاتها الموسيقية والغنائية.
(٢) راجع الإحاطة ج ١ ص ١٤٢ و ١٤٣.
(٣) وعنوانه "اسطقسات علم الموسيقى" (معجم الغزيرى ج ١ ص ٣٤٧)

<<  <  ج: ص:  >  >>