للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عبث المقاومة، أعلن خضوعه وطاعته للأمير وقدم رهائنه. وزحف المنذر بعد ذلك على ألبة واخترقها إلى قشتالة (القلاع)، وتأهب النصارى للقائه بقيادة ملكهم ألفونسو الثالث. ولكن جرت مفاوضة بين الفريقين انتهت بعقد الهدنة، وعاد المنذر إلى قرطبة ظافراً.

وما كاد المنذر يرتد إلى قرطبة، حتى نشب الخلاف بن إسماعيل بن موسى وابن أخيه محمد بن لب، وكان إسماعيل يحقد عليه لتحالفه مع المنذر. وانتهى القتال بينهما إلى انتصار محمد بن لب، واستيلائه على سرقسطة، وأسره لعمه إسماعيل. وحكم محمد سرقسطة باسم الأمير محمد. ولكن الأمير أراد أن ينتزع ولايتها منه، فسخط عليه وأعلن خروجه عن طاعته، وتحالف مع ألفونسو الثالث ملك ليون. فبادر الأمير محمد بإرسال قواته مرة أخرى بقيادة ولده المنذر وهاشم بن عبد العزيز، إلى الثغر الأعلى (٢٧٠هـ - ٨٨٣ م). فسار المنذر إلى سرقسطة واستولى عليها بعد قتال عنيف، وأخرج منها محمد بن لب. وفي رواية أخرى أن محمداً بن لب سلم سرقسطة صلحاً وفقاً لاتفاق تم بينه وبين المنذر نظير قدر كبير من المال (١). وكان من ضباط جيش الأمير في تلك الغزوة عمر بن حفصون الزعيم الخارج الذي سيجىء ذكره فيما بعد. ثم اخترق المنذر ألبة لمقاتلة النصارى حلفاء الثائر. ولكن المفاوضات انتهت بعقد الهدنة بين الفريقين. وأرسل ألفونسو الثالث سفيراً إلى قرطبة هو القس دولثديو ليضع قواعد الصلح مع أمير الأندلس، فنجح السفير في مهمته وعاد إلى أوبييدو عاصمة ليون، ومعه رفات القس أولوخيو وصاحبته ليوكريسيا، وهما اللذان أعدما بقرطبة قبل ذلك بنحو عشرين عاماً، ونظمهما النصارى في سلك القديسين.

ولنترك الآن حوادث الثغر الأعلى لحظة لنستعرض ما حدث خلال هذه الأعوام المليئة بالفتنة في أنحاء الأندلس الأخرى. ففي ماردة وبطليوس عادت الثورة إلى الاضطرام. وذلك أن عبد الرحمن بن مروان الملقب بالجليقي - لانتمائه


(١) نقل إلينا هذه الرواية العذري في كتابه " ترصيع الأخبار " وفيها أن محمداً بن لب تقاضى نظير تسليمه سرقسطة خمسة عشر ألف دينار. وكان ذلك في سنة ٢٦١ هـ (الأوراق المنثورة من الكتاب المذكور ص ٣٥). هذا وقد أورد لنا العذري تفاصيل كثيرة عن موسى بن موسى بن قسي وأولاده وأحفاده، وثوراتهم، وما خاضوه من الوقائع المختلفة في الثغر الأعلى زهاء نصف قرن (الأوراق المذكورة ص ٢٩ - ٤٠).

<<  <  ج: ص:  >  >>