للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إلى أسرة من المولدين أصلها من ولاية جليقية في شمال البرتغال - استطاع أن يفر من قرطبة مع نفر من صحبه. وكان بنو الجليقي قد استقروا بماردة منذ أمد طويل، وتولى أبوه مروان بن يونس الجليقي حكم ماردة أيام الأمير عبد الرحمن، ولما اضطرمت الثورة بماردة قتله أهلها (سنة ٢١٣ هـ). وكان ولده عبد الرحمن طموحاً لا يشعر بالولاء نحو حكومة قرطبة، فانتظم في سلك الخوارج، واشترك في الثورة ضد الأمير محمد. فلما أخمدت الثورة وتم إخضاع ماردة في سنة ٢٥٤ هـ (٨٦٨ م) قبض الأمير على عبد الرحمن الجليقي ونقله مع باقي الزعماء الثائرين إلى قرطبة حسبما تقدم. وكان فرار الجليقي من قرطبة في أوائل سنة ٢٦١ هـ (٨٧٥ م) على أثر مشادة وقعت بينه وبين القائد هاشم بن عبد العزيز كبير الوزراء أهانه خلالها وصفعه؛ فغادر قرطبة خفية مع جمع من أنصاره، واستولى على قلعة ألانية (أو قلعة الحنش) (١) في جنوبي ماردة وتحصن بها، واستولى زميله في الخروج والعصيان مكحول ابن عمر على قلعة جلّمانية (٢) القريبة منها. واجتمع إليهما جمع غفير من المارقين والمتمردين، واشتد عيثهما في سائر الأنحاء المجاورة. وعندئذ سار الأمير لقتال الثائرين في قوة كبيرة. فلما علما بمقدمه استغاثا بزميلهما القديم سعدون بن عامر المعروف بالسرنباقي، وهو أيضاً من زعماء الثوار المولدين، وكان يعيش في كنف ألفونسو الثالث ملك ليون في مدينة برتقال جنوبي جليقية، فسار إليهما في قوة من صحبه، وانضم إلى قوات ابن مكحول. فضرب الأمير الحصار حول القلاع الثائرة، وقطع عنها الماء، واشتد في ذلك، وجنده ترهق المحصورين كلما طلبوا الحصول على الماء والمؤن خارج الأسوار. فلما ضاقوا بالحصار ذرعاً، اضطر عبد الرحمن الجليقي أن يستجير بعبد الله ولد الأمير، وأن يوسطه في الشفاعة والإذعان إلى طلب الأمان. وكان عبد الله لين العريكة محباً للسلم، فتوسط لدى والده الأمير، وألح حتى أسعفه بما طلب، ووافق على منح الأمان للثائر، على أن ينزل له عن قلعة الحنش، وينصرف وقومه إلى بطليوس، وكانت يومئذ خالية مجردة من الحصون فينزلون بها، ويقومون بتعميرها. فقدم ابن مروان رهائنه وهم ولده محمد وثلاثون من أكابر قومه، وسار إلى بطليوس وصحبه، ونزلها وأخذ في تعميرها


(١) هي بالإسبانية Alange.
(٢) هي بالإسبانية Jurumena، وهي تقع على مقربة من غربي بطليوس.

<<  <  ج: ص:  >  >>