وماكاد الأمير يرتد أدراجه إلى قرطبة، حتى حشد ابن مروان أنصاره من كل ناحية ومعظمهم من أهل الشر والمولدين الناقمين، وأخذ في تحصين بطليوس، وإعدادها للدفاع والمقاومة، وبعث جواسيسه إلى قرطبة، يتعرفون أخبار الأمير ويترصدون حركاته، ويبعثون بها إليه تباعاً. ثم عقد حلفاً مع ألفونسو الثالث ملك ليون. وكان يدعو أنصاره إلى مذهب ديني جديد هو خليط من تعاليم الإسلام والنصرانية. واستمر على هذا النحو زهاء عام آخر، وهو يغير على الأنحاء المجاورة ويرهق أهلها، ويستلب أموالهم ومتاعهم.
فلما اشتد عيثه، وضج المسلمون في تلك الأنحاء من شره وعدوانه، وجاهر هو من جانبه بالعصيان وخلع الطاعة، اعتزم الأمير محمد أن يعاقبه ويقمع شره بطريقة حاسمة، فجهز إليه حملة كبيرة برياسة ولده المنذر، وجعل قيادتها لوزيره الأثير هاشم بن عبد العزيز. وسارت هذه الحملة صوب بطليوس في شهر شعبان سنة ٢٦٢ هـ (٨٧٦ م)، فلما علم ابن مروان بمقدم جند الأمير، وشعر بصعوبة الدفاع عن بطليوس لاتساعها، غادرها مع قواته، وانضم إليه كثير من المولدين من الأنحاء المجاورة ممن خشوا بطش قوات الأمير بهم، ونزل بحصن كركى أو كركو القريب وامتنع به، وبعث إلى سعدون السرنباقي في طلب النجدة. وسار المنذر وهاشم إلى بطليوس، فألفياها خالية، فسارا في أثره، واحتل هاشم حصن منت سلود (منت شلوط) الواقع جنوبي بطليوس خوفاً من أن يحتله الثوار، وضرب المنذر الحصار حول حصن كركى. وفي تلك الأثناء قدم سعدون السرنباقي في صحبه، ومعه قوة كبيرة من النصارى أمده بها ملك ليون، واشتبك في طريقه بمدينة قُلُمرية بحاميتها، وهم قوم من البربر من بني دانس من مصمودة، وفتك بهم، وكانوا على الطاعة، فبعثوا إلى هاشم بن عبد العزيز يستغيثون به. ووقف هاشم من طلائعه على مقدم سعدون وقواته، وما فعله بأهل قلمرية، فخرج إلى لقائه متحمساً تواقاً إلى الانتقام، وكان سعدون قائداً مجرباً وافر الجرأة، وكانت لديه فرق مختارة من الفرسان والرماة، فرتب معظم قواته وراء التلال، وتقدم للقاء قوات هاشم، واعتقد هاشم أنه يستطيع سحق الثوار بأيسر أمر، والتقى الفريقان في مخاضة النهر جنوبي بطليوس، وفاجأت خيل سعدون قوات الأندلس وأرهقتها، وكثر فيها القتل، وتقدم هاشم بن عبد العزيز إلى المعمعة،