للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ابن مروان وتحصن بجبل " أشيروغيره " (١) فأحرق المنذر بطليوس ودمر حصونها. وفي العام التالي سارت حملة أخرى بقيادة الوزير هاشم إلى " أشيروغيره " لقتال ابن مروان، فحاصره حينا ثم ارتد عنه دون إخضاعه. ولما أعيا الأمير أمره، انتهى أخيراً إلى قبول شروطه في الاستقلال بحكم بطليوس وما جاورها، والإعفاء من المغارم والفروض (٢).

ووقعت في ذلك الحين ثورات محلية أخرى، فخرج في شنت برية (٣) مظفر ابن موسى بن ذى النون وزحف على طليطلة، فلقيه جندها فهزمهم، وقوى أمره في تلك الجهة، وأضاف إلى شنتبرية ما حولها من البلاد والحصون.

ويرجع ظهور بني ذى النون، وهم سادة مملكة طليطلة أيام الطوائف، إلى ذلك العهد. وخلاصة ما تقدمه إلينا الرواية في ذلك، هو أن جدهم ذا النون (أو زنون) بن سليمان الهواري، كان زعيماً لشنت برية من أعمال قونقة، ومر به الأمير محمد في بعض غزواته إلى الثغر، وقد مرض له خصي من أكابر فتيانه، فتركه عند ذى النون حتى يحدث الله فيه أمره. فاعتنى به ذوالنون حتى برئ من علته، وصحبه بنفسه إلى الأمير بقرطبة، فكافأه الأمير بأن أقره على ناحيته. واستقام ذو النون على الطاعة حتى توفي، وخلفه ولده موسى، فنبذ الطاعة، وانتظم في سلك الخوارج؛ ولما توفي سار ولده مظفر على خطته، وأضحى بنو ذو النون من زعماء الفتنة في الثغر الأوسط (٤). وخرج أسد بن الحرث بجهة رندة (٥) وأخذ ضرام الفتنة ينساب إلى كل ناحية، ونشط النصارى في الشمال، يتربصون لإذكاء الفتنة، وانتهاز الفرصة السانحة للإغارة على الأراضي الإسلامية.

وانبعثت من هذا الضرام شرارة في الجبال الجنوبية، قدر لها أن تستفحل بسرعة، وأن تغدو أخطر ما يهدد سلام الأندلس وعرش بني أمية. ففي جبل بُبَشتر (٦)، فيما بين رندة ومالقه، ظهر عمر بن حفصون أعظم ثوار الأندلس،


(١) واسمه بالإسبانية Esparragosa. وهو يقع بين نهر وادي يانة وجبال المعدن.
(٢) البيان المغرب ج ٢ ص ١٠٥ و١٠٦ و١٠٨. وراجع Dozy: Hist ; V.II.p. ٨-١١
(٣) وهي بالإسبانية Santaver وهي تقع جنوب شرقي وادي الحجارة. وهي غير شنتمرية الشرق.
(٤) مخطوط القرويين لوحة ٢٧٢ ب.
(٥) ابن خلدون ج ٤ ص ١٣١.
(٦) وبالإسبانية Bobastro.

<<  <  ج: ص:  >  >>