وكانت تربط الأمير محمد بأمراء المغرب المعاصرين ولا سيما بنو رستم أمراء تاهرت، وبنو مدرار أمراء سجلماسة وغيرهما، علائق مودة وصداقة متينة العرى. فكانوا يستمدون منه العون والنصح في شئونهم، وكان هو من جانبه شديد الاهتمام بأخبارهم وأحوالهم، وتتردد إليهم رسله وكتبه في البحث عن أخبار بنى العباس بدار مملكتهم، وأخبار ولاتهم وعمالهم بالشام وإفريقية. وكان شارل الأصلع ملك فرنسا (إفرنجة) يقدر خلاله ويتودد إليه، وربما تبادلا المراسلة والهدايا (١)؛ والظاهر أن ملك فرنسا كان يؤثر سياسة السلم مع حكومة قرطبة خشية أن يتكرر غزو المسلمين لسبتمانيا. وكانت تربطه في الوقت نفسه علائق مودة ببني قسي سادة الثغر الأعلى، الذين ظهروا بمغامراتهم فيما وراء جبال البرنيه.
وعلى الرغم من أن وقت الأمير محمد لم يتسع كثيراً للأعمال الإنشائية، لما زخر به من الفتن والغزوات المتوالية، فقد قام منها بطائفة حسنة. وكان في مقدمتها منشآته بالمسجد الجامع، فقد عنى أولا بإتمام الزيادة التي بدأها أبوه عبد الرحمن في وسطه وأقام فيها المقصورة، وكان أول من اتخذها هنالك من الخلفاء، وأصلح جناحه القديم الذي أنشأه عبد الرحمن الداخل، وجدده وأعاده إلى رونقه القديم. ولما تمت هذه الزيادات والإصلاحات ركب الأمير إلى الجامع وزاره في موكب فخم، وأشادت بعمله الشعراء. وأصلح محمد جامع إستجّة وجامع شذونة، ومساجد عديدة أخرى في مختلف الأنحاء، وأنشأ زيادات كثيرة بالقصر وملحقاته امتازت بالجمال والإناقة. وعنى بتجديد منية الرُّصافة التي أنشأها جده الأعلى عبد الرحمن الداخل، وجدد حدائقها ومتنزهاتها، وزودها بالأشجار والغراس النادرة، وجعلها منتدى نزهه وأسماره. وفي ذلك يقول عباس بن فرناس من قصيدة:
كان قصور الأرض بعد تمامه ... بنواً لذري أخفى شخوصاً من الدر
وتنتشر الأبصار منها إلى مدى التنزه بالأطيار والوحش والزهر
فأعجب من أفنانها الغرر التي ... يقيل بهن البرد في وعوة الحر
هم بأخفى سرها غير كاتم صداها فأخفى السر بها من الجهر
كأن الذي يخفي الحديث بنجوها ... على أخفض الأصوات يشدو على وتر
(١) البيان المغرب ج ٢ ص ١١١. ويسمى ملك فرنسا هنا خطأ بفردلند.