للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

معركة هزم فيها الثوار، بيد أنها لم تكن معركة حاسمة (١). وقامت ثورات محلية أخرى في بعض القواعد والحصون، بيد أنها كانت على الأغلب ثورات قليلة الخطورة، محدودة الأثر، وكانت حكومة قرطبة تراها في المحل الثاني، ولم تكن ثورة القبائل العربية تصطبغ بتلك المرارة التي كانت تطبع ثورات المولدين والبربر. ولبث كثير من أولئك الزعماء الخوارج على رياستهم واستقلالهم حتى بداية عصر الناصر (٢).

- ٣ -

وكانت إشبيلية، أعظم القواعد الأندلسية بعد قرطبة، في أثناء ذلك، مسرحاً لفتنة دموية استطال أمدها. وكان سكان إشبيلية مزيجاً من العرب والمولدين والنصارى، وكانت منزل عدد كبير من البيوتات العربية العريقة التي تمتاز بالثراء والعصبية. وبالرغم مما كان يسود بين هذه العناصر في معظم الأحيان من عوامل الجفاء والشقاق، فقد استطاعت إشبيلية أن تحافظ على سكينتها وولائها مدى حين.

فلما أخذت القبائل العربية في ولاية الأمير عبد الله تجيش بعوامل الخروج والثورة، هبت ريح الاضطراب على إشبيلية وسرت إليها عوامل الفتنة، وظهر الزعماء المتطلعون إلى الرياسة على مسرح الحوادث. وكان بنو أبي عبدة، وبنو حجاج، وبنو خلدون، يومئذ أعظم البيوتات العربية في إشبيلية. فأما بنو أبي عبدة فكان منهم كثير من رجال الدولة والقادة، وكان زعيمهم يومئذ أمية بن عبد الغافر بن أبى عبدة، وكان من وجوه القوم المقربين لدى حكومة قرطبة. وأما بنو حجاج فإنهم يرجعون بنسبتهم إلى لخم، ويتصلون في الوقت نفسه من ناحية الأمومة بملوك القوط، وذلك عن طريق سارة القوطية حفيدة وتيزا ملك القوط (٣)، وكان زعيم بيتهم يومئذ عبد الله بن حجاج وأخوه إبراهيم. وأما بنو خلدون فإنهم ينتسبون إلى العرب اليمانية في حضرموت، وإليهم ينتسب المؤرخ الفيلسوف ابن خلدون، وكان زعيم بيتهم يومئذ كريب بن عثمان بن خلدون وأخوه خالد (٤).


(١) المقتبس ص ١١٨.
(٢) راجع في تفاصيل هذه الثورات، المقتبس ص ٩ - ١١ و١٦، وكذلك البيان المغرب ج ٢ ص ١٣٩ - ١٤١.
(٣) راجع " دولة الاسلام في الأندلس " ص ٦٠ و٦١.
(٤) راجع كتاب العبر ج ٧ ص ٣٨٠ و٣٨١، وابن الأبار في الحلة السيراء ص ٩٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>