وكان هنالك إلى جانب هذه الأسر العربية الصميمة، عدد من الأسر المولدة القوية الغنية. وكان التنافس بين العرب والمولدين في النفوذ والرياسة، من أهم أسباب الاضطراب في المجتمع الأندلسي يومئذ.
وكانت الرياسة في إشبيلية قديمة في بيت أبي عبدة، حيث كان جدهم أبو عبدة واليها من قبل عبد الرحمن الداخل، وكان حفيده أمية بن عبد الغافر واليها في الوقت الذي نتحدث عنه، وكان الأمير عبد الله قد أرسل إلى جانب أمية ولده محمداً، ليكون عضداً أدبياً له في حكم المدينة. وفي سنة ٢٧٦ هـ (٨٨٩ م) كان بنو خلدون أول من رفع لواء الثورة في إشبيلية، وخرج زعيمهم كريب بن عثمان ابن خلدون في أنصاره وحلفائه من المولدين والبربر، الذين رأوا أن يعملوا على إذكاء المعركة بين الأسر العربية، وتحالف مع ابن مروان الجليقي الثائر ببطليوس.
وعاث كريب وأصحابه في أحواز إشبيلية وقطعوا السبل، ولكنه لم ينل من المدينة مأرباً. ثم ثار المولدون ضد العرب اليمانية لمقتل واحد من كبرائهم، وتحرك بنو حجاج في نفس الوقت. وخشى أمية العاقبة فدس على زعيمهم عبد الله ابن حجاج من قتله، فحل في الحال مكانه أخوه إبراهيم، وحمى وطيس الفتنة، واشتد بنو حجاج وأنصارهم من العرب في قتال أمية، وقتل أمية في النهاية مدافعاً عن نفسه. فأرسل الأمير عبد الله إلى إشبيلية حاكماً جديداً من قبله، هو عمه هشام ابن عبد الرحمن، ولكنه لم ينجح في تهدئة المدينة الثائرة، وقتل الثوار ولده، وسادت الفوضى، واضطرب حبل الأمن في إشبيلية وما جاورها؛ فعندئذ أرسل عبد الله ولده المطرِّف، ومعه الوزير عبد الملك بن عبد الله بن أمية على رأس حملة قوية إلى إشبيلية (٢٨٢ هـ - ٨٩٥ م). فلما أشرف المطرف على إشبيلية وثب بالقائد عبد الملك فقتله، وندب للقيادة مكانه أحمد بن هاشم بن عبد العزيز، وأرسل إلى والده الأمير عبد الله محضراً يبرر فيه تصرفه، ونشبت الموقعة بين المطرف وبين الثوار خارج المدينة، فهزمهم وردهم إلى سور المدينة، وقتل منهم عدد كبير، وأسر إبراهيم بن حجاج وخالد بن خلدون وغيرهما من زعماء الفتنة، ولم يطلق سراحهم حتى أذعنت المدينة الثائرة لمطالبه، وسلمت الخراج المطلوب، وقدم زعماء الفتنة رهائن من الولد والأهل، واتُفق على أن يشترك