وكان ألفونسو الثاني ملكاً حازماً مقداماً، فضبط المملكة ونهض بها نهضة شاملة، وحصن ثغورها وقواعدها، وعمل على تحسين شئونها الاجتماعية، وجعل عاصمتها مدينة "أوبييدو" Oviedo. وكانت مملكة جليقية أو مملكة أشتوريش (أستورياس) كما كانت تسمى يومئذ، تمتد من ولاية بسكونية شرقاً إلى المحيط غرباً، ومن خليج بسكونية شمالاً حتى نهر دويرة جنوباً، ولكنها لم تكن عندئذ كما كانت أيام ألفونسو الكاثوليكي تشمل ولاية نافار أو بلاد البشكنس، التي استطاعت أن تستقل بنفسها، وقامت بها غير بعيد مملكة نصرانية مستقلة أخرى.
واستطال حكم ألفونسو الثاني زهاء نصف قرن. عاصر فيه ثلاثة من أمراء الأندلس، هم هشام بن عبد الرحمن، وولده الحكم، وحفيده عبد الرحمن، وتوالت فيه مراحل النضال بين الأندلس والمملكة النصرانية، فنشبت الحرب بينهما مراراً عدة، وتبادلا الغزو كلٌّ لأراضي الآخر مراراً؛ وكانت أهم الأحداث البارزة في حلقات هذا النضال، هزيمة الجلالقة والبشكنس بقيادة ألفونسو الثاني على يد المسلمين في موقعة الصخرة في قاصية جليقية في سنة ٧٩٥ م (١٧٩ هـ).
وفي سنة ٨١٠ م (١٩٣ هـ) في عهد الحكم بن هشام عبر ألفونسو الثاني بقواته نهر دويرة، وغزا الأراضي الإسلامية، وتوغل في سيره حتى قُلُمرية وأشبونة، وعاث في تلك الأنحاء أيما عيث، ورد الحكم على ذلك بنفسه في صيف العام التالي غازياً إلى جليقية، وتوغل في منطقة وادي الحجارة، وأثخن في تلك الأنحاء عقاباً للنصارى وزجراً لهم على عدوانهم.
وفي عهد عبد الرحمن بن الحكم سارت الجيوش الأندلسية، بقيادة الحاجب عبد الكريم بن عبد الواحد بن مغيث في سنة ٨٢٣ م (٢٠٨ هـ)، غازية إلى ألبة والقلاع، على أثر غزو ألفونسو الثاني للثغر الأعلى، وإغارته على مدينة سالم، وهزم المسلمون النصارى في عدة مواقع، وعاثوا في أراضي جليقية، وخربوا مدينة ليون، وأملوا على النصارى صلحاً شديداً قاسياً (١).
ولما توفي ألفونسو الثاني في سنة ٨٤٢ م، خلفه على العرش ولده راميرو الأول أو رذمير كما تسميه الرواية الإسلامية. على أنه لم يخلفه دون نضال. ذلك أن
(١) راجع في تفاصيل الحروب والغزوات المتقدمة " دولة الإسلام في الأندلس " الفصل السابع من القسم الأول من الكتاب الثاني ص ٢٠٨ وما بعدها، وكذلك المراجع.