للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

راميرو حينما توفي أبوه كان في ولاية بردوليا الشرقية، التي عرفت فيما بعد بقشتالة (كاستيليا) Castilla نظراً لكثرة قلاعها، يرقب حركات المسلمين. وكان عبد الرحمن بن الحكم يقوم عندئذ بغزوته الكبرى في الثغر الأعلى، ويثخن في بلاد البشكنس، وكان ألفونسو يخشى أن يتدفق هذا السيل المخرب إلى أحواز جليقية، ولكن عبد الرحمن ارتد إلى قرطبة بعد أن غزا بنبلونة، وخربها، وسحق البشكنس وحلفاءهم ثوار الثغر الأعلى. وتوفي ألفونسو بعد ذلك بقليل؛ فوثب في أوبييدو زعيم من الأشراف يدعى الكونت ريوتيانوس واستولى على العرش؛ وعلم راميرو بذلك وهو في بردوليا فهرع إلى جليقية، وجمع جيشاً في مدينة " لك " وسار الى أشتوريش ليقاتل المغتصب. ولقيه ريوتيانوس في قواته على ضفاف نهر نارسياس، وما كادت المعركة تضطرم بين الفريقين، حتى هجر ريوتيانوس معظم جنده، وهزم هزيمة شديدة، وقبض عليه، وسملت عيناه، واعتقل بقية حياته في أحد الأديار؛ واسترد راميرو عرشه، وأطاعته سائر جليقية وأشتوريش.

ولكن علاقة العرش بالأشراف لبثت على توترها، ولم تمض أعوام قلائل حتى دبر الأشراف ثورة جديدة ضد راميرو (٨٤٥ م). ثم تلتها في سنة ٨٤٨ م ثورة أخرى، واستطاع راميرو في كل مرة أن يخمد الثورة، وقبض على معظم الزعماء والخوارج وأعدم الكثير منهم.

ومما تجدر ملاحظته بهذه المناسبة أن حكومة قرطبة كانت في معاملتها للزعماء الخوارج عليها، تبدو أكثر اعتدالاً وتسامحاً. فقد كانت تعفو أحياناً عن الثوار، وكانت تؤثر اصطناع القادرين والأكفاء منهم، وكانت في عقابهم أقل قسوة ونكالاً. وقد يرجع ذلك إلى ظروف الأحوال في الأندلس، فقد كانت الثورات شعبية أو قبلية على الأغلب. أما في جليقية فكان زعماء الثورة من الأشراف والزعماء الإقطاعيين الأقوياء، وكان خطرهم على العرش أشد وأدعى إلى التوجس والحذر (١).

وشغلت المملكة النصرانية في بداية عهد راميرو، كما شغلت المملكة الإسلامية، برد خطر النورمانيين الذين فاجأوا الأندلس بغارتهم المخربة في سنة ٨٤٢ م حسبما


(١) Aschbach: Geschichte der Omajaden In Spanien, B.I.s. ٢٥٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>