للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أسلفنا. وشغلت حكومة قرطبة بالأخص حيناً بتحصين أطراف المملكة، وإصلاح ما تخرب من أعمالها. وما كاد أمير الأندلس عبد الرحمن بن الحكم ينتهي من ذلك، حتى نشط إلى استئناف غزو المملكة النصرانية ورد غارات النصارى، فسير ولده محمداً في سنة ٨٤٧ م إلى جليقية فاخترق بسائطها، وحاصر مدينة ليون، وعاث في تلك المنطقة. وتقول بعض الروايات النصرانية، إن المسلمين التقوا براميرو على مقربة من مدينة سالم، وهزموه هزيمة شديدة، واستولوا على عدد من الحصون، وعلى كثير من الغنائم والأسرى. وفي رواية أخرى أن راميرو التقى بالمسلمين على مقربة من كلافينجو بجوار قلهرّة، وأنه هزمهم بالرغم من قلة جنده، وتنسب هذا النصر إلى خرافة خلاصتها أن راميرو رأى القديس ياقب في نومه ليلة المعركة ووعده بالنصر (١). على أن الروايات الإسلامية لا تذكر شيئاً من هذه الموقعة وهذا النصر المزعوم.

وأنفق راميرو بقية عهده القصير في العمل على تنظيم شئون مملكته وتوطيد الأمن فيها، وأنشأ عدداً من الكنائس والأديار، ثم توفي في ديسمبر سنة ٨٥٠ م بعد حكم دام نحو ثمانية أعوام، تاركاً عرش أشتوريش وبردوليا لولده أردونيو.

- ٢ -

وتولى أردونيو عرش المملكة النصرانية عقب وفاة أبيه بقليل، وبدأ أعماله بتحصين المدن المتاخمة لحدود المسلمين، مثل تودة وليون وأسترقة، وأصلح باقي القلاع والحصون تأهباً للدفاع، وأخمد الثورة في ولاية بسكونية، وفرض عليها سلطانه. ولما ظهرت أعراض ثورة المولدين في الأندلس في بداية عهد الأمير محمد بن عبد الرحمن، وقامت طليطلة بثورتها على حكومة قرطبة، أرسل أردونيو مدداً إلى الثوار، ولكن جيش الأندلس هزم الثوار وحلفاءهم النصارى في موقعة وادي سليط شر هزيمة (٨٥٤ م). وفي العام التالي غزا الأمير محمد ألبة والقلاع وعاث فيها، ولكن الأندلس شغلت بعد ذلك بظهور النورمانيين وغزوهم لثغور الأندلس وبسائطها القريبة، فوقف سير الصوائف إلى الشمال بضعة أعوام.

ولكن أردونيو كان يواجه عندئذ خطر قوة جديدة، أخذت تنمو وتشتد في الولايات الشمالية. ذلك أن موسى بن موسى بن قسيّ، استطاع أن يبسط سلطانه


(١) Aschbach: ibid , B.I.s. ٢٥٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>