للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

على الثغر الأعلى؛ وأن ينشىء فيه إمارة مستقلة قوية، واقترن غرسية أمير نافار بابنة موسى وتحالف معه، ليستعين به على مقاومة المسلمين، ومقاومة جيرانه النصارى من الغرب. وفي أوائل عهد الأمير محمد، عبر موسى جبال البرنيه بقواته، وغزا جنوبي فرنسا، واضطر ملكها شارل الأصلع إلى مهادنته ومسالمته، وأغدق عليه الهدايا والتحف. ولما رأى أردونيو نهوض قوة موسى وخطرها عليه، اضطر أن يسعى إلى محالفته، ولكنه ما لبث أن تركه مغضباً إذ كان موسى يؤازر البشكنس الثائرين عليه بتحريض صهره أمير نافار، ولم ير أردونيو في النهاية بداً من مخاصمة موسى ومحاربته، وهاجم أردونيو بعض الحصون الغربية التابعة لموسى، فسار موسى لقتاله ومعه صهره غرسية ملك نافار في قواته، ونشبت بين الفريقين معركة شديدة هزم فيها موسى وجرح وقتل صهره غرسية. ثم توفي موسى متأثراً بجراحه (٨٦٢ م). وكانت ضربة شديدة أصابت سلطان بني قسيّ في الشمال.

ولما شعر لب بن موسى عقب وفاة أبيه بقوة المملكة النصرانية، وخطرها، على سلطان أسرته، سعى إلى مهادنة أردونيو ومحالفته على قتال المسلمين، وردهم عن الولايات الشمالية.

وانتهز أردونيو فرصة اشتغال حكومة قرطبة بأمر النواحي الثائرة، فعبر نهر دويرة بقواته، وغزا مدينة قورية وأسر واليها، ثم غزا شلمنقة، وهزم المسلمين، وعاث في تلك الأنحاء (١). فسير محمد جيشاً إلى الشمال بقيادة ولده المنذر، فاخترق ألبة والقلاع، وهزم النصارى في كل موطن، ووصل إلى بنبلونة، وعاث في نواحيها. وتوالت حملات الأندلس بعد ذلك على ألبة والقلاع، ونشبت بين المسلمين وأردونيو معارك متعاقبة، هزم فيها النصارى جميعاً حسبما فصلنا ذلك في موضعه (٢). وأراد محمد أن يقضي نهائياً على مملكة جليقية فسير السفن إلى المياه الغربية لغزوها من البحر، ووصل الأسطول الأندلسي بالفعل إلى مصب نهر منهو، ولكن العواصف ثارت وحطمت السفن، وفشل المشروع في المهد (٨٦٦ م).

ولزم أردونيو عقب هزائمه المتوالية السكينة بقية عهده، ثم توفي في شهر مايو


(١) Cronica General (Ed.Pidal) Vol.II.p. ٣٦٦.
(٢) راجع تفاصيل هذه المعارك في أخبار أمير الأندلس محمد بن عبد الرحمن (ص ٢٩٤ - ٢٩٩ وص ٣١١).

<<  <  ج: ص:  >  >>