للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

- ١ -

مضي زهاء قرن منذ استقر ملك بني أمية بالأندلس، وتوطدت أسس الدولة الجديدة، وأخذت تزهو وتزدهر في عهد عبد الرحمن بن الحكم. ولكن عوامل الإنتقاض والتفكك، سرت فجأة إلى هذا الصرح القوي، ولبثت الأندلس مدى النصف الأخير من القرن الثالث الهجري (أواخر القرن التاسع الميلادي) تضطرم بسلسلة لا نهاية لها من الثورات والفتن، حتى لاح مدى لحظة أن ملك بني أمية أضحى على وشك الانهيار.

توفي الأمير عبد الله بن محمد بن عبد الرحمن أمير الأندلس في مستهل ربيع الأول سنة ٣٠٠ هـ (١٥ أكتوبر سنة ٩١٢ م) بعد حكم طويل عاصف، مزقت فيه أوصال المملكة ونضبت مواردها، فخلفه في نفس اليوم على العرش حفيده عبد الرحمن ابن ابنه محمد، غير متجاوز الثالثة والعشرين من عمره، وذلك بالرغم من وجود أعمامه وأعمام أبيه. وكان الأمير عبد الله قد اختار محمداً أكبر أولاده لولاية عهده، فوجد عليه أخوه المطرِّف وقتله حسبما تقدم. وولد عبد الرحمن قبيل مقتل أبيه بأسابيع قلائل في ٢٢ رمضان سنة ٢٧٧ هـ (ديسمبر سنة ٨٩٠ م) وأمه جارية إسبانية نصرانية تدعى ماريا أو مزنة حسبما تسميها الرواية العربية، فنشأ الطفل اليتيم في كفالة جده مرموقاً بعين العطف والرعاية، وأسكنه جده معه بالقصر دون ولده. وما كاد يبلغ أشده حتى ظهرت نجابته، وأبدى بالرغم من حداثته تفوقاً في العلوم والمعارف إلى درجة تسمو على سنه، ودرس القرآن والسنة وهو طفل لم يجاوز العاشرة، وبرع في النحو والشعر والتاريخ، ومهر بالأخص في فنون الحرب والفروسية، وأقبل عليه جده الأمير يخصه بحبه وثقته، ويرشحه لمختلف المهام، ويندبه للجلوس مكانه في بعض الأيام والأعياد لتسليم الجند عليه؛ وهكذا تعلقت آمال أهل الدولة بهذا الفتى النابه، وأضحى ترشيحه لولاية العهد أمراً واضحاً مقضياً، بل يقال إن جده قد رشحه بالفعل لولاية عهده وذلك بأن برىء بخاتمه إليه، حينما اشتد عليه المرض إشارة منه باستخلافه (١)


(١) وردت هذه التفاصيل الأخيرة في أوراق مخطوطة عن بداية عهد الناصر، نشرت بعناية الأستاذ ليفي بروفنسال بعنوان: Una Cronica Anonima de Abd Al - Rahman III, Al - Nasir (Madrid ١٩٥٠) p. ٢٩-٣٠

<<  <  ج: ص:  >  >>