وما كاد الأمير عبد الله يسلم أنفاسه الأخيرة حتى بويع حفيده عبد الرحمن بالملك.
وجلس عبد الرحمن للبيعة، يوم الخميس غرة شهر ربيع الأول في قاعة " المجلس الكامل " بقصر قرطبة، فكان أول من بايعه أعمامه، وأعمام أبيه، وتلاهم أخوة جده، وقد مثلوا أمامه وعليهم الأردية والظهائر البيض عنوان الحزن على الأمير الراحل، وتكلم بلسانهم عمه أحمد بن عبد الله فقال:" والله لقد اختارك الله على علم للخاص منا والعام، ولقد كنت أنتظر هذا من نعمة الله علينا، فأسأل الله إيزاع الشكر، وتمام النعمة، وإلهام الحمد ". وتتابع للبيعة بعد ذلك وجوه الدولة والموالي، ثم أهل قرطبة من الفقهاء والأعيان، ورؤساء البيوتات، واستمرت بيعة الخاصة على هذا النحو حتى الظهر؛ وعندئذ نهض الأمير الجديد فصلى على جثمان جده، ثم واراه في مدفنه بالروضة، ومعه الوزراء ورجال الدولة. وجلس لتلقي البيعة في المسجد الجامع صاحب المدينة الوزير موسى بن محمد بن حُدير، والقاضي أحمد بن زياد اللخمي، وصاحب الشرطة العليا ابن وليد الكلبي، وصاحب الشرطة الصغرى، أحمد بن محمد بن حدير، وصاحب أحكام السوق محمد بن محمد بن أبي زيد، فاستمرت بضعة أيام. وكذلك أنفذت الكتب بأخذ البيعة إلى العمال في سائر الكور، وأخرج الأمناء إلى البلاد لأخذها، وتتابعت الردود بإنجازها من جميع النواحي (١). وساد البشر يوم البيعة في القصر والمدينة، وتوسم الجميع في الأمير الفتى آيات العظمة واليمن، وعلقوا على ولايته أكبر الآمال. وفي ذلك يقول معلمه شاعر العصر ابن عبد ربه صاحب العقد الفريد، يوم أن تولى عبد الرحمن الملك في مستهل ربيع الأول سنة ٣٠٠ هـ:
بدا الهلال جديداً ... والملك غض جديد
يا نعمة الله زيدي ... ما كان فيك مزيد
إن كان للصوم فطر ... فأنت للدهر عيد
إمام عدل عليه ... تاجان: بأس وجود
يوم الخميس تبدى ... لنا الهلال السعيد
فكل يوم خميس ... يكون للناس عيد
وكانت الأندلس عندئذ أشد ما تكون حاجة إلى السكينة بعد أن هزتها الثورة