للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وفيها الثائر عبد الرحمن بن سعيد بن مالك، فنزل عليها، وأنذر صاحبها بالدخول في الطاعة، فلم يقبل النصح، فطوقها وحاصرها بشدة، حتى أجهد أهلها الجوع والعطش، وتساقطوا من الإعياء، وعندئذ اضطر صاحبها إلى الإذعان، فمنحهم عبد الرحمن الأمان، وأمن صاحبها وآله، وخرجوا إليه تائبين مستسلمين، فبعثهم إلى قرطبة. وكان افتتاح باجة في منتصف جمادى الآخر سنة ٣١٧ هـ. ونظر الناصر في مصالح المدينة، ثم عين لها والياً من قبله، هو عبد الله بن عمرو ابن مسلمة، وزوده بحامية كافية.

وتحول عبد الرحمن بعد ذلك إلى مدينة أكشونبه على مقربة من ساحل المحيط الجنوبي، وبها الثائر خلف بن بكر، فبادر إلى الطاعة معتذراً، وأقره الناصر على ولايته، على أن يلتزم بأداء الجباية وبحسن السيرة.

وقضى الناصر في هذه الغزوة زهاء ثلاثة أشهر، طهر خلالها أنحاء ولاية الغرب من آثار الخروج والثورة، ثم قفل إلى قرطبة فوصل إلى القصر في منتصف رجب (١). وكان الناصر قد سار بنفسه إلى تدمير وبلنسية، وذلك في سنة ٣١٢ هـ (٩٢٤ م) أثناء مسيره إلى غزوة بنبلونة الكبرى، حسبما نفصل بعد. فطارد الخوارج والعصاة في شرقي الأندلس، واستولى على معاقلهم ومزق شملهم. وفي سنة ٣١٤ هـ (٩٢٦ م) سير الناصر وزيره القائد عبد الحميد ابن بسيل إلى الثغر الأعلى لمقاتلة بني ذى النون، وكانوا قد عادوا إلى الخلاف والعصيان، وأكثروا من الفساد والعدوان على من جاورهم من المسلمين وأهل الذمة، فقصد إلى معقلهم شنت بَرِيَّة واقتحمها، وقتل كبيرهم محمد بن محمد ابن ذى النون، وعدة أخر من رجالهم، وافتتح مدينة سُرية من مدنهم، وولى عليها عاملا للسلطان. وخضعت شنت برية وما والاها للطاعة، ودرت جبايتها من ذلك الحين (٢). وفي سنة ٣١٧ هـ، افتتحت مدينة شاطبة، واستنزل عنها صاحبها عامر بن أبي جوشن الثائر بها، بعد أن ترددت الحملات عليه، مدى خمسة أعوام، وكان خضوعه على يد صاحب الشرطة العليا درِّى بن


(١) ابن حيان في المقتبس - السفر الخامس - لوحات ١٠٠ و١٠١ و١٠٩، والأوراق المخطوطة الخاصة بعهد الناصر ص ٨١.
(٢) ابن حيان في المقتبس - السفر الخامس - لوحة ٨٥ أ.

<<  <  ج: ص:  >  >>