للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

من قرطبة في منتصف جمادى الأولى سنة ٣٢٢ هـ (مايو ٩٣٤ م)، في جيش كثيف حسن الأهبة، وكانت قواته في هذه المرة ترفع أعلام العقاب المصورة، التي كان أول من استعملها، وكان معه ولده الأكبر وولي عهده الحكم، واستخلف في القصر ولده عبيد الله. وقصد الناصر إلى دار الحرب (أراضي النصارى) من طريق مدينة الفرج أو وادي الحجارة، وذلك لكي يضع حداً لما أبداه محمد بن هاشم التجيبي صاحب سرقسطة، من أعراض الخلاف، والتوقف عن اللحاق به حسبما أوعز إليه، فتحول نحو أراضيه مما يلي غرب الثغر الأعلى، واحتل حصن ماومده من حصونه، بعد أن بادر أهله بالطاعة، ثم تقدم إلى حصن روطة اليهود على مقربة من سرقسطة، وكان به أخوه يحيى بن هاشم، وافتتحه قسراً. ثم سار إلى سرقسطة، وطوقها ببعض قواته، وبعث قوات أخرى إلى تطيلة وطرسونة. ولكنه رأى بعد ذلك أن يتحول بقواته إلى غزو أراضي النصارى، وكان أقربها إليه أراضي نبرّة (نافار). وهنا وفدت عليه رسل تيودا (طوطة) إبنة شنير ملكة نافار، التي قامت بالأمر بعد وفاة زوجها سانشو ملك نافار وصية على ولدها غرسية، ترجو عقد الصداقة، والسلم.

فرحب الناصر بطلبها، ووفدت عليه في وجوه مملكتها وقواميسها وأساقفتها، وهو بمحلة قلهرّة، فاستقبلها الناصر ومن حوله جيوشه الكثيفة، العظيمة الأهبة، وأكرم منزلتها، وتعهدت لديه بالطاعة، والابتعاد عن محالفة أى ملك أو أمير نصراني، وكف الأذى عن المسلمين، ومعاونة قواد الثغر الأعلى في محاربة كل من خرج على الطاعة، وأخيراً أن تخلي سبيل وجوه بني ذى النون الذين في اعتقالها. وسجل الناصر ذلك وأشهد عليه، وأقر الناصر من جانبه ولدها غرسية، ملكاً على بنبلونة وأعمالها (بلاد البشكنس)، وانصرفت مع رجالها مزودة بالهدايا والكسى الفاخرة، وفي وفود طوطة على الناصر يقول الشاعر إسماعيل بن بدر:

وقيدت زعيمتهم إليه ... كبلقيس تحف به الجنود

تلفت لا ترى إلا شهاباً ... به يرمى وتختطف العديد

فبادرت السجود لنور وجه ... له رحب التواضع والسجود

فأوسعها بفضل العفو أمناً ... وقد كادت بمهجتها تجود

<<  <  ج: ص:  >  >>