للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فصلنا في موضعه، وليقضي على دعوة الفاطميين في المغرب الأقصى.

وكان راميرو الثاني أو رذمير كما تسميه الرواية الإسلامية، ملكاً مقداماً شديد البأس. فما كاد يلي العرش حتى نشط إلى استئناف الصراع القديم ضد المسلمين، وكان يرى أن العمل على إذكاء عوامل الفتنة في المملكة الإسلامية هو خير السبل إلى تبديد قوى المسلمين؛ وكانت مدينة طليطلة قد عادت تضطرم بعوامل الفتنة والثورة، وشجع راميرو بدسائسه ووعوده، زعماءها على التمادي في غيهم، فأرسل إليهم عبد الرحمن وفداً من العلماء يخطب ودهم ويحثهم على الخضوع والطاعة، فرفضوا نصحه بكبرياء وصلف، معتمدين على مؤازرة ملك ليون. فبادر الناصر (١) بالسير إلى طليطلة في قوات ضخمة، وذلك في ربيع الثاني سنة ٣١٨ هـ (مايو سنة ٩٣٠ م) وضرب حولها الحصار وانتسف ما حولها من المروج، ثم غادرها بعد بضعة أسابيع، وترك لحصارها بعض قواته، ثم عاد فسار إليها بعد ذلك بعامين في صيف سنة ٣٢٠ هـ (يونيه سنة ٩٣٢ م) معتزماً في هذه المرة أن ينزل بها الضربة القاضية. وهنا حاول راميرو أن يسعى إلى إنقاذ المدينة المحصورة، استجابة لنداء أهلها، فسار لإنجادها في بعض قواته، واستولى في طريقه على حصن مجريط (٢). ولكن القوات الإسلامية استطاعت أن ترده قبل أن يصل إلى طليطلة، فاضطر أن يترك المدينة الثائرة لمصيرها، وفقد الثوار بذلك كل أمل في المقاومة، وأضنتهم مصائب الحصار، فاضطروا في النهاية إلى الإذعان والتسليم، ودخل الناصر طليطلة ظافراً (رجب سنة ٣٢٠ هـ)، وشهد مبلغ منعتها وكثافة أسوارها، وأمر بهدم حصونها، وفقدت الثورة في الأندلس بسقوط طليطلة أمنع معاقلها.

وفي العام التالي، سنة ٣٢١ هـ (٩٣٣ م)، سار ملك ليون إلى مدينة أوسمة (وخشمة) التي كان يهددها المسلمون، فردهم عنها واحتلها، وكانت أوسمة، وهي تقع شرقي شنت إشتيبن على مقربة من دويرة، وعلى خط الحصون الفاصل بين الأراضي الإسلامية وقشتالة القديمة، من القواعد الدفاعية الهامة، ومن ثم فقد اعتزم الناصر أن يسير لاستردادها بنفسه، فخرج بالصائفة


(١) كان عبد الرحمن قد اتخذ سمة الخلافة وتلقب بالناصر لدين الله منذ سنة ٣١٧ هـ حسبما نبين بعد.
(٢) هو حصن ومحلة منيعة أنشأها الأمير محمد بن عبد الرحمن سنة ٢٤٦ هـ (٨٦٠ م) على ضفة نهر منثنارس ضمن منطقة الحصون الدفاعية بين الأندلس ومملكة ليون. وقد استمرت تؤدي دورها الدفاعي حتى سقطت أخيراً في يد القشتاليين سنة ٤٧٦ هـ (١٠٨٣ م)، وعلى موقعها أقيمت مدينة مدريد الحديثة.

<<  <  ج: ص:  >  >>