للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عبد الرحمن بنبلونة، وقد فر سكانها رعباً، فدمرها وأحرق قصورها وكنائسها، وجد سانشو في جمع قواته ووافته الأمداد من قشتالة، وحاول لقاء المسلمين في مفاوز نافار الوعرة مرتين، الأولى على مقربة من شنت إشتيبن، والثانية على مقربة من قلهرّة، ولكن عبد الرحمن كان على حذر، وكان يعرف تلك المفاجآت الخطرة، فهزم النصارى في كلتا الموقعتين ومزقوا شر ممزق، وانهارت كل مقاومة، وبذلك تم إخضاع نافار وسحق قواتها (ربيع الثاني ٣١٢ هـ - أغسطس ٩٢٤ م).

ثم سار عبد الرحمن جنوباً إلى حصن مسرة، وهو أول حصون المسلمين على حدود نبرّة، فعهد إلى من فيه بادخار الأطعمة، وفرق فيهم الأموال.

ورحل بعد ذلك إلى مدينة تطيلة، فوصلها في اليوم السابع والعشرين من ربيع الثاني، ثم قفل منها راجعاً إلى الحضرة، وتوقف خلال الطريق بمدينة شنت برية مقر بني ذى النون، وكان زعيمهم يحيى بن موسى بن ذى النون قد خلع الطاعة، والتزم العصيان مستقلا بسلطانه، فلما أشرف الناصر على معقله، خرج إليه نادماً مستغفراً منضوياً في ظل طاعته، فتقبل الناصر توبته، ودخل الناصر قصر قرطبة في يوم الخميس الثاني والعشرين من جمادى الأولى سنة ٣١٢ هـ، وقد أنفق في غزوته أربعة أشهر، وهي تعرف في الرواية الإسلامية " بغزوة بنبلونة " (١).

ولم يمض سوى قليل حتى توفي أردونيو الثاني ملك ليون (سنة ٩٢٥ م)، فخلفه في الملك أخوه "فرويلا"، فلم يحكم سوى عام ثم توفي؛ فتنازع العرش سانشو وألفونسو ولدا أردونيو، وشغلت ليون بحرب أهلية استمرت بضعة أعوام، وانتهى طورها الأول بوفاة سانشو. ثم نشبت ثانية بين ألفونسو وأخيه راميرو، وانتهت بفوز راميرو، وجلوسه على عرش ليون باسم راميرو الثاني، وذلك سنة ٩٣٢ م.

ولم يتدخل عبد الرحمن في تلك الحرب الأهلية، فترك النصارى يمزق. بعضهم بعضاً، وانتهز الفرصة ليتم سحق الثورة، وتوطيد السكينة داخل مملكته، حسبما


(١) ابن حيان في المقتبس - السفر الخامس - مخطوط الخزانة الملكية - لوحة ٨٠ - ٨٣ والبيان المغرب ج ٢ ص ١٩٥ - ٢٠١؛ وكذلك Dozy: Hist, V.II.p. ١٤٤-١٤٥

<<  <  ج: ص:  >  >>