للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عبد الحميد بن بسيل إلى الثغر الأعلى في جيش قوي، ريثما يتم هو أهبته (ربيع سنة ٣١١ هـ - ٩٢٣ م)، فقصد إلى تطيلة وجاز منها إلى أراضي نبرّة (نافار)، وعاث فيها، وقاتل سانشو وهزمه في عدة وقائع. ولم تمض بضعة أشهر أخرى، حتى أتم عبد الرحمن أهبته، ولم يصبر على انتظار الربيع وهو موعد الصوائف، بل غادر قرطبة في السادس عشر من المحرم سنة ٣١٢ هـ (١٧ إبريل سنة ٩٢٤ م) في قوى جرارة، وهو يعتزم التنكيل بالنصارى، والانتقام الذريع لجناية بقيرة، وترك في القصر إبنه الأكبر وولى عهده الحكم، وهو صبى في نحو العاشرة من عمره، وإلى جانبه الوزير أحمد بن محمد بن حدير، وسلك الناصر إلى الثغر طريق المشرق، مخترقاً كورة تدمير، فكورة بلنسية، ونازل في طريقه مدينة لورَقة، وكان يمتنع بها زعيمها الثائر عبد الرحمن بن وضاح، فأخضعه بالأمان، وبعثه مع أهله إلى قرطبة. ثم تقدم منها إلى مدينة مرسية، فاستنزل بها يعقوب بن أبي خالد التوزري وزملاءه العصاة، وأخضع بعض حصون أخرى في قطاع بلنسية، ثم سار إلى طرطوشة ونظر في شئونها، وتقدم بعد ذلك صوب سرقسطة، وهنالك انضم إليه التجيبيون وحلفاؤهم.

ولما وصل إلى تطيلة هرع إليه زعماء الثغر بقواتهم، وهم في جموع وافرة وتعبية محكمة، ودخل أراضي نافار في أوائل ربيع الآخر (يوليه). فساد الذعر بين النصارى، وترك العدو معظم قلاعه وحصونه دون دفاع، وكان أول ما استولى عليه المسلمون حصن قلهرّة وكان سانشو قد أخلاه، فأمر عبد الرحمن بهدمه وإحراق ما فيه، ثم استولى عبد الرحمن على حصن قلقرة، ومحلة بيطرالته (بيرالتا) (١) الواقعة شمال شرقي قلهرة وما حولها من الحصون، وقتل وسبى كل من وجد بها من النصارى؛ ثم سار إلى حصن بالجش القريب منها وأحرقه، وخرب ما حوله من الضياع والزروع، واستولى بعد ذلك على حصن قرقشتال (كاركاستيلو) في وادي أراجون شرقي بيرالته، وشمال شرقي تطيلة، وهدم سائر القلاع في تلك المنطقة أو أحرقها. ثم نفذ عبد الرحمن إلى قلب نافار وزحف على عاصمتها بنبلونة، وحاول ملكها سانشو غير مرة أن يعترض طريقه في شعب الجبال، فكان يرد في كل مرة بخسارة فادحة. ودخل


(١) يبدو أن بيطرالته هو المكان الذي يسميه ابن حيان " قنطرة ألبة ".

<<  <  ج: ص:  >  >>