للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقضى عبد الرحمن أربعة أيام يجمع الأسلاب والنعم، ويهدم الديار ويقطع الأشجار، وأصاب المسلمون كثيراً من الأسلاب والغنائم. وحدثت هذه الوقيعة الساحقة على النصارى، في اليوم السادس من شهر ربيع الأول سنة ٣٠٨ هـ (٢٦ يوليه ٩٢٠ م). وهدم عبد الرحمن حصون العدو، وأصلح حصون المسلمين، وفي مقدمتها حصن بقيرة Viguera المشرف على حدود نافار، وزودها بالعتاد والمؤن.

وفي اليوم السابع والعشرين من ربيع الأول، قفل عبد الرحمن عائداً إلى قرطبة، وتوقف في طريقه يوماً بمدينة أنتيسة على مقربة من مدينة سالم، وفرق الأموال والكسى في أهل الثغر، وأذن لهم بالعودة إلى ديارهم، ووصل إلى قصر قرطبة في يوم الخميس الثالث عشر من ربيع الآخر سنة ٣٠٨ هـ (أواخر سبتمبر سنة ٩٢٠ م) بعد أن قطع في غزوته هذه ثلاثة أشهر، وكانت غزوته الأولى في مقاتلة النصارى، وكان ممن شهدها معه سليمان بن عمر بن حفصون المستأمن إليه، فأبلى فيها بلاء حسناً، وبها ارتفع شأوه، وتوطدت سمعته (١).

وكان عبد الرحمن يرجو أن يكون هذا الدرس بعيد الأثر في ردع النصارى ووقف عدوانهم. ولكنه أخطأ الظن. ذلك أنه لم يمض سوى عامين حتى أغار أردونيو على ناجرة واستولى عليها، وسار حليفه سانشو إلى بقيرة، وكان يتولى الدفاع عنها عبد الله بن محمد بن لب، ومعه نفر من زعماء بني لب وبني ذى النون وغيرهم من الوجوه الأكابر، فحاصرها سانشو واستولى عليها، وأسر من فيها من الزعماء وحملهم إلى بنبلونه ثم قتلهم، ولم ينج منهم سوى مطرف بن موسى ابن ذى النون حيث استطاع الفرار من سجنه. فضجت الأندلس من أقصاها إلى أقصاها لتلك الفعلة البشعة، ووجهت سهام اللوم إلى عبد الرحمن لقصوره أو تقصيره، في حماية الثغور وحماية الزعماء والقادة، ولم يك ثمة مناص من العمل على تهدئة الخواطر، والانتقام لذلك الاجتراء. وسير عبد الرحمن مولاه ووزيره


(١) ابن حيان في السفر الخامس من المقتبس - مخطوط الخزانة الملكية - لوحة ٧١ ب - ٧٤ أوب، والأوراق المخطوطة الخاصة بعصر الناصر ص ٦٣ و٦٤، والبيان المغرب ج ٢ ص ١٨٧ - ١٨٩، وكذلك Dozy: Hist., V.II.p. ١١٤ & ١٤٣, Cronica General ; ibid.Vol. II.p. ٣٨٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>