للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فيما احتبس به، والتوبة من الأعمال المنكرة التي توجب سخطه منه، وتبذل نقمته، وتستروحه رضاه، تعالى جده. وقد أمرنا الخطيب فيما قبلنا بالاستسقاء في المسجد الجامع يوم الجمعة، والجمعة الثانية التي تليه، إن أبطأت السقيا، والبروز يوم الإثنين بعدها لجماعة المسلمين عندنا إلى مصلاتهم، أو يأتى الله قبل ذلك بغيثه المعني عنه، ورحمته المنتظرة منه، المرجوة عنده، فمر الخطيب بموضعك أن يحتمل على مثل ذلك، ويأخذ به من قبله من المسلمين، وليحملهم بذلك المحمل، ولتكن ضراعتهم إلى الله تعالى، ضراعة من قد اعترف بذنبه، ورجا رحمة الله، والله غفور رحيم، وهو المستعان لا شريك له إن شاء الله " (١).

وفي سنة ٣٢٤ هـ، وقع بالأندلس محل جديد لم يعهد فيها بمثله من قبل، فاحتبس المطر، وجفت الزروع. ومع ذلك فلم يترك هذا المحل وراءه كثيراً من الآثار المخربة، ويقول لنا ابن حيان، إن البركات والخيرات استمرت ذائعة بين الناس في سائر الجهات. وبذل الناصر لمعونة الناس ما جبر النقص في المحل. وانهمل الغيث في العام التالي، وقد نظم الشاعر عبد الله بن يحيى بن إدريس في ذلك قصيدة في مديح الناصر هذا مطلعها:

نعم الشفيع إلى الرحمن في المطر ... مستنزل الغيث بالأعذار والنذر (٢)

وعاد المحل والقحط يعصف بالأندلس في سنة ٣٢٩ هـ (٩٤١ م)، وتوقف المطر، وعم الجفاف، وشرع قاضي الجماعة، وصاحب الصلاة محمد بن أبي عبد الله بن عيسى في إقامة صلاة الاستسقاء في يوم الجمعة الثاني من ربيع الآخر.

ولكن المحل تمادى، وبرز الناس إلى مصلى الربض مراراً وتكراراً. وفي الثاني عشر من جمادى الأولى (أول فبراير)، بدا نوء غليظ وسحاب كثيف ونزل الثلج طوال اليوم وغطى الأرض، ثم نزل المطر والثلج، وانقطع دون أن يروي الأرض. فعاد القاضي إلى الاستسقاء حتى استجاب الله لعباده بعد أيام قلائل، وبدأ الناس في الزرع، وتوالى نزول الغيث، واستسقى الناس سقيا وافياً، ورويت الأراضي والمزارع، وهبطت الأسعار وعاد الرخاء (٣).


(١) ابن حيان في السفر الخامس - لوحة ١٠٢ أوب.
(٢) ابن حيان - السفر الخامس - لوحة ١٥٠ أ.
(٣) ابن حيان - السفر الخامس - لوحة ١٨١.

<<  <  ج: ص:  >  >>