هذا، ومما ذكره لنا ابن حيان من الحوادث الداخلية في سنة ٣٢٤ هـ (٩٣٦ م)، وقوع الحريق العظيم بمدينة قرطبة. ففي أوائل شهر شعبان من هذه السنة، نشبت النار بسوق قرطبة، فأحرقت جميع مجالس الحصاد، واتصل الحريق بحي الصرافين، وما جاور مسجد أبي هرون، فاحترق وتداعى المسجد.
ثم اتصلت النار بسوق العطارين، وما جاوره من الأسواق والأحياء، واتسع نطاقها بصورة مرعبة. وكان حريقاً شنيعاً مروع الآثار. وقد أمر الناصر بعد انتهائه، وانجلاء آثاره، أن يعاد بناء مسجد أبي هرون، فأعيد على أحسن حال.
وأمر الناصر كذلك يإعادة بناء ما تهدم من الدور والصروح العامة (١).
- ٣ -
لم ينس عبد الرحمن خلال توفره على محاربة الثوار والنصارى داخل شبه الجزيرة، أن يعني بمقاومة الدعوة الفاطمية التي اجتاحت شمالي إفريقية، وامتدت بسرعة إلى عُدوة المغرب وإلى سبتة، وأخذت تهدد شواطىء الأندلس. وكانت الدعوة الفاطمية تنطوي بالنسبة للأندلس على خطر مزدوج ديني وسياسي معاً. وكانت في قوتها وعنفوانها تهدد طرفي إفريقية أعني مصر والمغرب. فمنذ عبيد الله المهدي أول الخلفاء الفاطميين، تتردد جيوش الخلافة الفتية من قواعدها في تونس نحو مصر والمغرب، غازية. وكان اجتياحها السريع للمغرب يثير بحق جزع حكومة قرطبة؛ ولا غرو فقد كانت عدوة المغرب تعتبر دائماً، قاعدة لغزو الأندلس وخط دفاعها الأول. وكان ثوار الأندلس يتجهون بأبصارهم إلى العدوة، ويفاوضون الفاطميين، ويأتمرون معهم على حكومة الأندلس، فكان على عبد الرحمن أن يغالب هذا الخطر الجديد قبل استفحاله. ففي سنة ٣١٩ هـ (٩٣١ م) سير عبد الرحمن إلى ثغر سبتة أسطولا قوياً يتكون من مائة وعشرين سفينة، ما بين حربية وناقلة، وسبعة آلاف رجل منهم خمسة آلاف من البحارة وألف من الحشم، وانضم إليه عدة من وجوه ألمرية وبجانة تطوعا في مراكبهم، وكان تحت قيادة أميري البحر أحمد بن محمد بن إلياس وسعيد بن يونس بن سعديل. فخرج هذا الأسطول من الجزيرة آخر جمادى الأولى من هذه السنة، واستولى على سبتة من يد ولاتها البربر بني عصام حلفاء الفاطميين، وطلب الناصر إلى صاحب طنجة